للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضاق بالأشعري وابن كلاب النفس عن الجواب عن هذا، فوافقوهم أن هذا القرآن المتلو مخلوق كما قالوا، وادعوا أن هاهنا (١) قرآناً قديماً يوصف بأنه كلام الله ينتفي عنه ضده (٢) وهو المعنى القائم بنفسه فهم قائلون بخلق القرآن الذي لا يعرف المعتزلة ولا غيرهم من المسلمين قرآناً غيره.

وادعت الأشعرية قرآناً وكلاماً لله لا يعقل ولم يسبقهم إلى هذا القول أحد من أهل الملل والنحل فردهم على المعتزلة بخلق القرآن تمويه وتستر بقول أصحاب الحديث، وهو مذهب مسقف باطنه الاعتزال وظاهره التستر (٣).

وأما الجواب عما أورده من الاستدلال فمن وجوه:

أحدها: أن يقال لهم جميعاً: ما الدليل على أن الكلام إذا كان ذا تأليف وترتيب كان مخلوقاً، فإنهم لا يجدون عليه دليلاً من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من الإجماع ممن قبلهم من أهل العلم، فإن قالوا: لأنه (٤) بصفة كلام المخلوقين، قلنا لهم، فليس اجتماع الشيئين في صفة يدل على اجتماعها في جميع الصفات، فيلزمكم أن لا تصفوا الله بأنه متكلم لهذا المعنى (٥) كما قالت المعتزلة، ويلزم المعتزلة أن لا يصفوا الله بأنه موجود ولا شيء لأن ذلك صفات للمحدثات (٦).


(١) في الأصل (أن هنا) وفي - ح- كما أثبت ضده وهو صفة الحدوث.
(٢) يعني ينتفي عن القرآن القديم وهو الكلام النفسي ضده وهو صفة الحدوث.
(٣) انظر: الفصل السابق من ص ٥٤٤ وفيه بيان قول الأشعرية والكلابية في القرآن وصفة الكلام.
(٤) في -ح- (بأنه).
(٥) يعني بذلك الأشاعرة.
(٦) ما ذكر المصنف - رحمه الله - هنا قاعدة عظيمة في بيان الحق في مسألة الصفات والرد على المتكلمين بجميع طوائفهم. وهي أن كون الشيئين اتفقا في الاسم أو في شيء من الصفة لا يلزم اتفاقهما في جميع الصفات وجميع الوجوه. وقد ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في رسالته العظيمة التدمرية، وضرب لذلك مثلاً وهو أن الله أخبر عما في الجنة من المخلوقات من مطاعم وملابس ومناكح ومساكن وما إلى ذلك، وأخبر أن فيها لبناً وعسلاً وخمراً وماءاً ولحماً وحريراً وغير ذلك، وهذه الأشياء موجودة في الدنيا، ولا شك أن بينهما فرقاً عظيماً ومباينة شديدة. وورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء" فإذا كان هذا في المخلوقات فهو بين الخالق والمخلوق أعظم تبياناً من جميع الوجوه، فصفات الخالق تليق بكماله وعظمته وصفات المخلوق تليق بضعفه وعجزه وحاجته.
والقاعدة الثانية التي ذكره المصنف هنا هي أن الكلام في بعض الصفات كالكلام في البعض الآخر، فلماذا يثبتون البعض وينفون البعض ما دام أنهم يجعلون السبب في النفي هو عدم المماثلة والمشابهة، فالمعتزلة تثبت الأسماء وتثبت صفة الوجود، والأشاعرة يثبتون السبع الصفات المعروفة عندهم، فيلزم المعتزلة أن ينفوا صفة الوجود والأسماء، لأن المخلوق موصوف بذلك، ويلزم الأشاعرة أن ينفوا السبع الصفات التي ذكروا لأن هذه الصفات يوصف المخلوق بها أيضاً وإلا فليثبتوا الجميع وينفوا المماثلة والمشابهة كما هو مذهب السلف". انظر: الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ص ١١ - ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>