للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاختيار من العباد أو القهر والإجبار فيكون الاختيار في الفعل راجعاً إلى صفات العباد في أفعالهم (١)، وأما القهر والإجبار فلا يتصف به إلا فعل الله لأنه هو القاهر (٢) والمجبر، والخلق مقهورون مجبورون (٣). وأما المشيئة التي


(١) يعني بذلك أن العباد يفعلون أفعالهم باختيارهم لها لهذا وقع عليهم الثواب والعقاب وطولبوا بالقيام بالواجبات وترك المنهيات.
(٢) في - ح- (والخالق).
(٣) قال شيخ الإسلام: "ولفظ الجبر فيه إجمال: يراد به إكراه الفاعل بدون رضاه كما يقال: إن الأب يجبر المرأة على النكاح، والله تعالى أجل وأعظم من أن يكون مجبراً بهذا التفسير، فإنه يخلق للعبد الرضا والاختيار بما يفعله وليس ذلك جبراً بهذا الاعتبار.
ويراد بالجبر: خلق ما في النفوس من الاعتقادات، والإرادات وكقول محمد بن كعب القرظي: "الجبار: الذي جبر العباد على ما أراد". وكما في الدعاء المأثور عن علي - رضي الله عنه – "جبار القلوب على فطراتها شقيها وسعيدها". فلما كان لفظ الجبر مجملاً نهى الأئمة الأعلام عن إطلاق إثباته أو نفيه". مجموع الفتاوى ٨/ ١٣٢.
وفي كتاب الإيمان للإمام أحمد روايات عديدة عن السلف في إنكار لفظ الجبر، فمن ذلك ما رواه الخلال عن أبي بكر المروذي قال: "قلت: لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: رجل يقول إن الله جبر العباد، فقال: هكذا لا تقول وأنكر هذا، وقال: {يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} يعني بذلك أنه يقال أضله الله وهداه الله ولا يقال جبره على المعصية أو الطاعة.
وروى بإسناده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "أنكر سفيان الثوري جبر وقال: الله عزوجل جبل العباد". قال أبو بكر المروذي: "أظنه أراد قول النبي - صلى الله عليه وسلم: (لأشج عبد القيس) يعني بذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن فيك خلتين يحبهما الله الحلم والأناة، قال: يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما، قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني عليهما، قال: سل الله جعلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جعلني على خلقين يحبهما الله ورسوله". أخرجه د. كتاب الآداب، (ب. قبلة الجسد) ٢/ ٣٤٦، حم ٤/ ٢٠٦.
وروى أيضاً بسنده عن بقية بن الوليد قال: سألت الزُبَيْدي والأوزاعي عن الجبر فقال الزبيدي: "أمر الله أعظم وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل ولكن يقضي ويقدر ويخلق ويجبل عبده على ما أحبه".
وقال الأوزاعي: "ما أعرف للجبر أصلاً من القرآن ولا من السنة فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وروى بسنده أيضاً عن الإمام مالك أنه قال: "لم نؤمر أن نتكل على القدر وإليه نصير". الإيمان للإمام أحمد ورقة ٨٩ - ٩٠/ب وأورد بعض هذه الآثار شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٨/ ١٠٣.
فقول المصنف هنا "والخلق مقهورون مجبورون" يحتمل الجبر في ألوانهم وهيآتهم مما ليس لهم إرادة فيه وهذا حق، ويحتمل أفعال العباد التي خلق الله لهم فيها اختيار واردة وهذا لا يصح إطلاق لفظ الجبر عليه كما تقدم نقله عن السلف لما في لفظ الجبر من الإيهام بالمعنى الباطل وهو الجبر الذي لا يكون للعبد فيه إرادة واختيار وهو نظير الإكراه.
والمصنف لا يقصد هذا النوع من الجبر لأن كلامه الآتي يدفعه ويرده، وكذلك ما سبق من كلامه. انظر: ص ٢٢٢ - ٢٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>