للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣١ - فصل

واستدل المخالف على أن العباد يخلقون أفعالهم بقوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (١)، وهذا نص في أنهم يخلقون أفعالهم (٢). وبقوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} (٣).

والجواب: أنه (٤) يقال له: خطؤك في رد التنزيل أعظم من خطئك في التأويل فإن كنت مصرا على رد التنزيل وأنه ليس بقول الله حقيقة فلا جواب لك في بيان التأويل، وإن صدقت بالتنزيل أنه كلام الله حقيقة أوضحنا لك المراد بالتأويل وهو: أن الخلق في اللغة ينقسم إلى: التقدير، وإلى الإنشاء والإبداع (٥) فالمراد بقوله: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} وبقوله: {تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ} التقدير، فكأنه أراد أحسن المقدرين (٦)، وكذلك


(١) المؤمنون آية (١٤).
(٢) مراد القدري في الاستدلال في قوله: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أن الله وصف نفسه بأنه أحسن الخالقين، فدل على أن هناك خالقين غيره هو أحسنهم وأن هؤلاء الخالقين هم العباد الذين يخلقون أفعالهم.
(٣) المائدة آية (١١٠).
(٤) (أنه) ليست في - ح -.
(٥) انظر: لسان العرب ٢/ ١٢٤٤، المفردات ص ١٥٧.
(٦) ذكر ذلك ابن القيم في شفاء العليل ص ٥٣، وشارح الطحاوية ٤٩٦، والشوكاني في فتح القدير ٣/ ٤٧٧.
ويجوز أن يكون المراد هنا بالخلق الصنع فإن الإنسان له صنع يصنعه فعلى هذا الاعتبار يكون قوله تعالى: {أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} أحسن الصانعين، كما قال ذلك ابن جرير ورجحه ونقله عن مجاهد وقاله أيضاً القرطبي، وذكر ابن جرير في المعنى قولاً آخر وهو أنه قيل ذلك لأن عيسى ابن مريم عليه السلام كان يخلق فأخبر جل ثناؤه أنه يخلق أحسن مما يخلق ونقل ذلك عن ابن جريج. انظر: تفسير ابن جرير ١٨/ ١١، القرطبي ١٢/ ١١٠.
وأولى الأقوال في ذلك القول الأول والثاني، أما الخلق بمعنى الإيجاد من العدم فهذا لا يكون إلا لله عزوجل. انظر: تفسير القرطبي ١٢/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>