للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧١ - فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (١). فأخبر سبحانه أنه الميسر لليسرى والعسرى، والتيسير: التهيئة.

فأجاب المخالف القدري وقال: لا حجة لهذا المستدل بهذه الآية لأنه أخبر أن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى يسره للجنة، ومن بخل واستغنى وكذب بالحسنى يسره للنار، فلولا أن الأفعال من المحسن منهم والمسيء لما استحق المحسن ثواباً ولا المسيء عقاباً، كما لا يثيبهم ولا يعاقبهم على ألوانهم التي هي خلق له.

والجواب أن يقال: إضافة الله التصديق والتكذيب إليهم لا يدل أن لا يكون (٢) ذلك خلقاً لله فيهم، لأنه أخبر أنه إذا أنزل الماء على الأرض اهتزت وربت وأنبت، فقال تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (٣) ومعلوم أنها لا تهتز ولا تربو ولا تنبت بنفسها، وإنما يفعل الله ذلك كله، وقال الله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} (٤)، والله هو الممر لها وإن أضاف الفعل إليها، والتصديق والتكذيب منهم خلق لله وقع بمشيئته منهم لوقوعه، ومشيئتهم معلقة، بمشيئة الله قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٥)، ولأن التصديق منهم نعمة وتفضل من الله بدليل قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٦)، وقوله تعالى: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً} (٧)


(١) الليل آية (٥٠١٠).
(٢) في - ح- (إلا أن يكون).
(٣) الحج آية (٥).
(٤) النمل آية (٨٨).
(٥) الإنسان آية (٣٠).
(٦) النحل آية (٥٣).
(٧) النور آية (٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>