للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٦ - فصل

ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة أنا نفرض الكلام مع القدرية في ثلاثة نفر خلقهم الله، فواحد منهم بلغ وآمن بالله وعمل العمل الصالح، وأطال الله عمره في العمل الصالح، فبحكم العدل عند القدرية أن الله يدخله الجنة ويرفع درجته فيها بقدر عمله.

والثاني لم يبلغ الحلم بل مات صغيراً لم يعمل شيئاً من الطاعات، فبحكم العدل عندهم أن الله يدخله الجنة ولا يعطيه من الدرجات ما يعطي الأول.

وأما الثالث: فإنه لم يؤمن بالله وأطال الله عمره فيدخله النار.

فإذا نظر الصغير إلى ما أعطى الله الأول من الدرجات قال: يا رب لأي معنى لم تعطني من الدرجات مثل ما أعطيت الأول؟ فيقال: بحكم العدل أنك لم (١) تعمل مثل الأول، فيقول: لو أطال الله عمري كعمر الأول لعملت مثل عمله، ولكن قصر عمري فقال له: لم يكن الصلاح لك في طول العمر بل الصلاح لك في إماتتك صغيراً، فيقول حينئذ الكافر من تحت أطباق جهنم فأي صلاح لي بطول العمر فليت الله أماتني صغيراً فأرضى بمنزلة هذا الذي سخطها، ولكن الله طوَّل عمري وبلَّغني حد التكليف مع علمه أني لا أؤمن فخالفت (٢) أمره حتى صرت إلى ما صرت إليه، فتقوم الحجة لكافر على الله (٣)، وقد قال الله تعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} (٤) فعلمنا لذلك أن الأمر بخلاف ذلك وأن لله (٥) أن يفعل بعباده ما شاء.


(١) في الأصل (لن) والصواب ما أثبت كما هو في - ح-.
(٢) في الأصل (خالفت) وفي - ح- كما أثبت.
(٣) هذه مسألة الثلاثة إخوة منسوبة إلى أبي الحسن الأشعري في رده على المعتزلة، وقد ذكرها أبو حامد الغزالي في الاقتصاد في الاعتقاد ص ١١٥، وأبو منصور البغدادي في أصول الدين ص ١٥١.
(٤) الأنعام آية (١٤٩).
(٥) في - ح- (بخلافه وأن الله).

<<  <  ج: ص:  >  >>