(٢) لا مانع شرعاً ولا عقلاً من أن يفعل الله عزوجل ويأمر لحكمة ترجع إليه جل وعلا، وكون الله جل وعلا العلي الأعلى الذي لا يوجد فوقه من يسعى إلى موافقة إذنه لا يمنع أن يفعل لحكمة بمقتضى أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فإن الخبير لا يفعل إلا ما يدل على الخبرة، والعليم لا يفعل إلا ما يدل على العلم، والحكيم لا يفعل إلا ما يدل على الحكمة والمحمود لا يفعل إلا ما يستحق عليه الحمد، والرحيم لا يفعل إلا ما يدل على الرحمة. فمقتضى هذه الأسماء يدل على أنه لا يعمل إلا لحكمة تعود إليه كمحبته أن يحمد ويثنى عليه جل وعلا لا كما يزعم المعتزلة القائلون إن الله يفعل لحكمة تعود إلى الخلق وهي منفعتهم فقط، وقد تقدم ذكر ذلك عنهم. (٣) استدلال الأشاعرة ومن وافقهم في نفي الحكمة والتعليل عن أفعال الله عزوجل بأنه يلزم منه التسلسل غير صحيح، إذ ما المانع أن تكون هذه الحكم ترجع إلى حكم قبلها حتى تنتهي إلى المحبة، فتكون المحبة للفعل من قبل الله عزوجل هي الحكمة الأولى أو الإرادة والمشيئة المحضة. وقد ثبت عندنا في الصحيحين ما يؤيد هذا، فقد روي عن المغيرة بن شعبة أنه قال: قال سعد بن عبادة: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله فقال: تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه والله أغير مني ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة". أخرجه خ. كتاب التوحيد (ب. قول النبي صلى الله عليه وسلم لا شخص أغير من الله) ٩/ ٩٩، م. كتاب اللعان ٢/ ١١٣٦، فدل الحديث على أن الله يفعل لحكمة عائدة إلى ذاته جل وعلا، فمن أجل غيرته حرم الفواحش، ومن أجل حبه أن يعذر بعث الرسل، ولأجل حبه أن يمدح وعد المؤمنين الجنة، فما المانع أن تتسلسل الحكم إلى أن تنتهي إلى إرادته المحضة أو محبته جل وعلا لفعل من الأفعال، وللمسلم أن يقول إن الله خلق الخلق لعبادته لحبه جل وعلا أن يمدح، وبه يظهر فساد استدلال الأشاعرة ومن وافقهم بهذا الدليل على نفي العلة والحكمة عن أفعال الله وأمره، وقد رد عليهم ابن القيم - رحمه الله - بإجابات مطولة في هذا الأمر ورد على استدلالهم هذا بعشرة أجوبة فلتنظر في شفاء العليل ص ٢١٠ - ٢١٣.