للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٥ - فصل

قال القدري: لو كانت أفعال العباد خلقاً لله لما مدحهم الله بشيء منها ولا ذمهم على شيء منها.

والجواب أنا نقول: إن الله لم يمدحهم ولا ذمهم على خلقه لها فيهم وإنما مدحهم على كسب ما أمرهم به وذمهم على كسب ما نهاهم عنه، وقد نسب إلى نفسه شيئاً من أفعالهم خلقاً له، ونسبه إليهم كسباً فمدحهم على شيء منها، وذمهم على شيء منها، ومصداق ذلك في قوله تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا} (١)، فأخبر سبحانه عن إضحاكه وإبكائه لهم بالصيغة والتنبيه (٢) التي أخبر بها عن إماتته وإحيائه لهم، فلما كان إحياؤه وإماتته لهم هو خلقه للحياة والموت فيهم، بدليل قوله تعالى في آية أخرى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} (٣) دل على أن إضحاكه وإبكاءه لهم هو خلقه الضحك والبكاء فيهم لقوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ} (٤)، ونسب الضحك إليهم لكونه كسباً لهم وذمهم عليه، وقوله تعالى في آية أخرى: {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} (٥)، ونسب البكاء إليهم لكونه كسباً لهم، ومدحهم عليه يقوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُون} (٦)، وبقوله تعالى: {خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً} (٧) وذمهم على ترك البكاء بقوله تعالى: {وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (٨) وإذا ثبت أنه


(١) النجم آية (٤٣).
(٢) هكذا في الأصل وفي - ح - صححت كما في الأصل ولعلها (والنسبة) فإنها أقرب إلى المعنى المراد، والله أعلم.
(٣) الملك آية (٢).
(٤) النجم آية (٥٩ - ٦٠).
(٥) المؤمنون آية (١١٠).
(٦) الإسراء آية (١٠٩).
(٧) النجم آية (٦٠ - ٦١).
(٨) مريم آية (٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>