للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما ادعاه من أن أهل السنة يشابهون المجوس بما ذكر فغير صحيح. لأن أكثر ما قالوا: إن أفعالهم أشياء وسماها الله أشياء وقد قال: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (١)، وإنما المشابه لهم هم القدرية لأنهم يقولون: إن الله سبحانه يريد الخير ويقدر عليه ولا يريد الشر ولا يقدر عليه (٢) وإبليس لا يريد الخير ولا يقدر عليه ويريد الشر ويقدر عليه، وهذا كما قالت المجوس: من أن النور يريد الخير ويقدر عليه، ولا يريد الشر ولا يقدر عليه، والظلام لا يريد


(١) الرعد آية (١٦).
(٢) هذا يحتاج إلى تفصيل فإن المعتزلة يقولون في أفعال العباد إذا كانت حسنة فهي على ضربين إما أن تكون مباحة وهذه لا يجوز أن يكون الله مريداً لها، وإما أن تكون واجبة أو مندوبة فالله تعالى يكون مريدا لها وأما إن كانت قبيحة فإن الله لا يريدها البتة ولا يجوز أن يريدها.
وهم يجعلون الإرادة والمحبة والرضا من باب واحد، ولا يفرقون بين الإرادة الكونية القدرية التي هي بمعنى المشيئة، ولا بين الإرادة الدينية الشرعية التي يتعلق بها الحب والرضا، لهذا أجمعوا على أن الله لا يريد المعاصي أي أن ما وقع منها وقع بغير مشيئة، وهذا خلاف نص القرآن الصريح في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} وقوله: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} الآيات في هذا كثيرة. انظر: شرح الأصول الخمسة ٤٣١، ٤٥٧، ٤٦٤، مقالات الإسلاميين ١/ ٢٩٩.
أما قول المصنف عنهم إنهم يقولون: (إن الله لا يقدر على الشر) فإنهم في هذا قسمان: قسم قالوا: إن الله تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحاً وبه قال أبو الهذيل وأكثر المعتزلة وهو الذي نصره القاضي عبد الجبار.
والقسم الآخر ومنهم النظام وأبو علي الأسواري ذهبوا إلى أن الله تعالى غير موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحاً. فقال النظام: "إن الله لا يقدر أن يفعل بعباده خلاف صلاحهم"، ووافقه الأسواري على هذا وقال محمد بن عبد الله الإسكافي منهم: "إن الله تعالى يوصف بالقدرة على ظلم الأطفال والمجانين ولا يوصف بالقدرة على ظلم العقلاء"، فعلى هذا فقول القدرية في الإرادة يشبه قول المجوس في أن النور يريد الخير والظلمة يريد الشر، أما القدرة على الخير وعدم القدرة على الشر فإن هذا القسم من المعتزلة وهم النظام وأبو علي الأسواري هم الذين يصدق عليهم مشابهة المجوس في زعمهم أن النور يريد الخير ويقدر عليه ولايريد الشر ولا يقدر عليه. وقد شبه الإسفرائيني قول النظام في هذه المسألة بقول المانوية. انظر: شرح الأصول الخمسة ص ٣١٣، مقالات الإسلاميين ١/ ٢٧٥، الفرق بين الفرق ص ١٣٣، ١٣٤، ١٥١، ١٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>