للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما قوله: إنه أمرهم وساقهم بالأمر والنهي والوعد والوعيد إلى ما فيه الصلاح، فقول لا معنى تحته فإن أراد بقوله ساقهم كقوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ} (١) فهو الإجبار الذي يرمي به خصمه وهم براء مما رماهم به، وقد اعترف على نفسه بما أنكره على غيره، وجميع ما أورده من هذا وما أشبهه قول فارغ من المعاني المفيدة لمن تدبره.

ثم قال المخالف: وأما ما حكاه عن الصحابة في تمنيهم أنهم لم يخلقوا فلم يقولوه اعتراضاً على الله في فعلهن ولو قصد أحد منهم ذلك فإنه عاص ضال لا يلتفت إليه، لأنهم يعلمون أن أحداً لا يهلك إلا بجنايته وإنما قصدوا بذلك مذمة النفس.

والجواب: أنا لا نقول إنهم قصدوا الاعتراض على الله، وإنما لما خافوا على أنفسهم العطب في التقصير عما أمروا به تمنوا ما تمنت مريم بنت عمران فيما أخبر الله عنها بكتابه بقوله: {لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} (٢). أفتراها معترضة على الله؟.

ثم قال المخالف: وأما الخبر المروي عن موسى عليه السلام فلا حجة فيه، لأنه إذا ثبت بإسناد صحيح فهو خبر آحاد لا يؤخذ به، ويجب تأويله على (٣) ما يوافق أدلة العقل إن أمكن، وإلا لم يضرنا اطراحه، لأن الواجب علينا الأخذ بما دلت عليه العقول.

والجواب أن يقال له: وإن كان من أخبار الآحاد فإنه موافق لظاهر القرآن وهو ما أخبر الله عزوجل عن مريم بنت عمران، وقوله: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} وجزاء الإثم العذاب، والعدم عن الدنيا خير من العذاب.


(١) الزمر آية (٧١).
(٢) مريم آية (٢٣).
(٣) (على) ليست في الأصل وهي في - ح-.

<<  <  ج: ص:  >  >>