للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠٩ - فصل

وعند أهل الحديث أن العذاب في القبرحق، وأن مسألة منكر ونكير في القبرحق على ما جاء في الأخبار. وأنكر المعتزلة وأهل الزيغ ذلك كله (١). ودليلنا قوله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} (٢)، قال أهل التفسير: تثبيتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا هو قول لا إله إلا الله وفي الآخره عند المسألة في القبر (٣).

وروى البراء بن عازب قال: "خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولمَّا يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير، وبيده عود ينكت به الرض، ثم رفع رأسه وقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثاً ثم قال: إن المؤمن إذا


(١) عذاب القبر حق ثابت وبهذا قال أهل السنة وأكثر الفرق الإسلامية، ولم يخالف في ذلك إلا ما يحكى عن ضرار بن عمرو كان من المعتزلة ثم ترك قولهم، أما المعتزلة فإنهم على إثباته كما حكى ذلك عن نفسه وأسلافه القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص ٧٣٠، وقال ابن حزم: "ذهب ضرار بن عمرو الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة إلى إنكار عذاب القبر وهو قول من لقينا من الخوارج، وذهب أهل السنة وبشر بن المعتزلة والجبائي وسائر المعتزلة إلى القول به، وبه نقول لصحة الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك". الفصل في الملل والنحل والأهواء ٤/ ٦٦، ونسب أبو الحسن الأشعري في المقالات ٢/ ١١٦ نفي عذاب القبر إلى المعتزلة والخوارج، كما نسبه البغدادي في أصول الدين ص ٢٤٥ إلى الجهمية والضرارية، ونسب الملطي في التنبيه والرد على أهل الأهواء ص ١٢٤ إلى جهم بن صفوان إنكار عذاب القبر ومنكر ونكير. والأرجح بالنسبة للمعتزلة حكاية القاضي عبد الجبار عن نفسه وأسلافه إذ هو أخبر بذلك وأعرف، كما أنه قد بين أن ابن الراوندي هو الذي كان يشنع عليهم إنكار عذاب القبر وعدم الإقرار به، كما أنه أورد الأدلة على إثباته من القرآن والسنة، والله أعلم.
(٢) إبراهيم آية (٢٧).
(٣) أسند هذا القول ابن جرير إلى طاووس وقتادة وهو الذي رجحه، وذكر قولا آخر وهو أن المراد بالحياة الدنيا المسألة في القبر وفي الآخرة المراد بها عند التثبت الحساب، وعزا هذا القول إلى البراء ابن عازب - رضي الله عنه -. تفسير ابن جرير ٢٣/ ٢١٣. وانظر: تفسير القرطبي ٩/ ٣٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>