للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١٠ - فصل

وعند أهل الحديث أن الحسنات والسيئات للموحدين توزن بميزان يوم القيامة، وأن الصراط حق، وأن حوض النبي صلى الله عليه وسلم حق.

وأنكرت المعتزلة والقدرية وأهل الزيغ ذلك كله (١).


(١) اتفق أهل السنة على إثبات الوزن للحسنات والسيئات وإثبات الصراط وحوض النبي صلى الله عليه وسلم، وخالف في ذلك أو بعضه بعض أهل البدع. أما الميزان فقد نسب الملطي إلى جهم بن صفوان إنكاره، ونسب الإيجي في الموافق والقاضي أبو يعلى في المعتمد في أصول الدين إلى المعتزلة إنكاره، كما نسب إنكاره ابن حزم في الفصل إلى قوم، ونسبه أبو الحسن الأشعري في المقالات إلى أعل البدع وقال: "وحقيقة قول المعتزلة في الموازنة أن الحسنات تكون محبطة للسيئات وتكون أعظم منها، وأن السيئات تكون محبطة للحسنات أعظم منها".
وقد أثبت القاضي عبد الجبار المعتزلي الإيمان بالميزان في الآخرة فقال: "أما وضع الموازين فقد صرح به الله تعالى في محكم كتابه، ثم ذكر الآيات الدالة على ذلك وقال: ولم يرد الله تعالى وقال: ولم يرد الله تعالى بالميزان إلا المعقول منه المتعارف فيما بيننا دون العدل وغيره على ما يقوله بعض الناس" شرح الأصول الخمسة - ص ٧٣٥.
فهذا يدل على إثباته للميزان، إلا أن مفهوم الموازنة بين الحسنات والسيئات عند المعتزلة يختلف هو عليه عند أهل السنة، بل الميزان في الواقع لا فائدة منه سوى أنه يخفف العذاب على رأي أبي هاشم وعبد الجبار المعتزلي، وعلى رأي الجبائي لا فائدة منه البتة، لأن في أصل مذهبهم أن الحسنات تحبطها السيئات الكبيرة، فمن فعل كبيرة ولم يتب فإن حسناته كلها تحبط في مقابلها ولا أمل له بالنجاة يوم القيامة. انظر: شرح الأصول الخمسة ص ٦٤٣ - ٦٤٤، والذي اختلفوا فيه هو هل يسقط ثواب الطاعة أجزاءه من عقاب المعصية بقدرة أم لا وهو مفهوم الموازنة عندهم، فنفى ذلك أبو علي الجبائي، وزعم أن الحسنات مهدرة أمام السيئات، وزعم أبو هاشم أنه يسقط من العقوبة أجزاء على قدر الطاعة، وهو الذي نصره عبد الجبار المعتزلي وضرب له مثلاً فقال: صورته أن يأتي المكلف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، وبمعصية استحق عليها عشرين جزءاً من العقاب، فمن مذهب أبي علي أنه يحسن من الله تعالى أن يفعل به في كل وقت عشرين جزءاً من العقاب، ولا يثبت لما كان قد استحقه على الطاعة التي أتى بها تأثير بعد ما ازداد عقابه عليه.
وقال أبو هاشم: لا بل يقبح من الله تعالى ذلك ولا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء، فأما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي قد استحقه على ما أتى به من الطاعة. شرح الأصول الخمسة ص ٦٢٨، وهذا كله باطل وأقرب للظلم منه للعدل، فأين ثواب الإيمان وثواب الصلاة والطاعات، وهم يزعمون أن هذا كله يحبط بشربه خمر أو ما أشبهها لم يتب منها الإنسان، وما ذكروه في الواقع لا معنى له في الموازنة، لأن كفة السيئات راجحة وكذلك في حالة الطاعات كفتها راجحة، لأنه لا توجد سيئات توضع في الكفة الأخرى. وما تقدم نقله عن أبي الحسن الأشعري هو حقيقة مذهبهم.
أما الصراط، فلم يذكر الأشعري خلافاً إنما اختلف في وصفه، وعزا الأيجي إنكاره إلى أكثر المعتزلة وأن الجبائي تردد فيه نفياً وإثباتاً. وذكره القاضي عبد الجبار المعتزلي وقال: هو طريق بين الجنة والنار يتسع على أهل الجنة ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه، وأنكر أن يكون الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف، كما أنكر أن يجوزه المكلفون فيكون من مرّ عليه من أهل الجنة ومن لم يتمكن فهو من أهل النار. شرح الأصول الخمسة ص ٧٣٧. وهذا المعتزلي وإن كان أثبت الصراط في الجملة، إلا أنه أنكر الصفات الواردة في الأحاديث عن صفته.
أما الحوض فقد ذكر أبو الحسن الأشعري أن قوماً أنكروه ودفعوه ولم يبين من هؤلاء، ولا متعلق لمن أنكره إذ هو كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم ثبتت بالأخبار الصحيحة. انظر في هذا كله: التنبيه للملطي ص ١١٠، مقالات الإسلاميين ٢/ ١٦٤ ـ ١٦٥، الفصل لابن حزم ٤/ ٦٥ - ٦٦ الموافق للأيجي ص ٣٨٣ - ٣٨٣، أصول الدين للبغدادي ص ١٧٥، المعتمد في أصول الدين للقاضي أبي يعلى ص ١٧٥ - ١٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>