أما الاستواء فهو من صفات الفعل لله عزوجل، وثبت بالقرآن الكريم في سبعة مواضع، ويؤمن بذلك السلف من غير تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف. وأنكرت المعطلة بجميع طوائفها العلو لله عزوجل، وهو الجهمية والمعتزلة والأشاعرة فمنهم من قال: إنه في كل مكان ولا يخلو منه مكان، كما هو قول بشر المريسي والنجارية من المعتزلة والسالمية، ونسب هذا القول شيخ الإسلام إلى صوفية وعباد الجهمية. ومنهم من قال إنه ليس في مكان، فلا يقال عنه إنه فوق ولا تحت ولا بذي جهة، وهذا قول الجهمية والمعتزلة والأشعرية ومن وافقهم، ومن المخالفين للحق في هذا الأمر طوائف من الناس زعموا أن الله فوق العرش وهو مع ذلك في كل مكان، ونسب هذا القول أبو الحسن الأشعري إلى زهير الأثر، ونسبه شيخ الإسلام إلى بعض السالمية والصوفية. انظر: الملل والنحل للشهرستاني بهامش الفصل ١/ ٥٥، ١١٣ - ١١٤، مقالات الإسلاميين ١/ ٢٣٦، ٢٨٦، ٣٥١، المغني لعبد الجبار المعتزلي ٥/ ٢١٥ - ٢١٦، التمهيد للباقلاني ص ٣٠٠، الاقتصاد في الاعتقاد للغزالي ص ١٦٤، الإرشاد للجويني ص ٥٨ - ٥٩، المواقف للإيجي ص ٢٧٠. أما الاستواء على العرش فالمعطلة على إنكاره ودفعه واختلفوا في تأويله وصرفه إلى أقوال: القول الأول: تأويل الاستواء بالاستيلاء والقهر والغلبة، وبهذا قال أكثر الجهمية والمعتزلة وأكثر الأشاعرة مثل الغزالي والجويني والإيجي والآمدي. القول الثاني: أن معنى استوى قصد العرش بأمر مثل قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وهو قول للجويني في الإرشاد. وأثبت الاستواء السلف وغيرهم. أما السلف فهم على أن الله عزوجل كما ذكر عن نفسه أنه استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته، مع أنه بائن من خلقه لغناه عن كل شيء وحاجة كل شيء إليه جل وعلا. أما غير السلف فلهم في الاستواء أقوال: القول الأول: قول المشبهة ومنهم الكرامية والهشامية من الشيعة، أما الكرامية فلهم أقوال في الاستواء، فقد ذكر الشهرستاني عن أبي عبد الله بن كرام أنه كان يقول عن الله عزوجل إنه أحدي الذات أحدي الجوهر وأنه مماس للعرش من الصفحة العليا. ومنهم من قال: إنه على بعض أجزاء العرش. ومنهم الذي يقول: إن العرش امتلأ به. أما الهشامية فذكر الشهرستاني نقلاً عن أبي عيسى الوراق أنه قال: إن هشام بن الحكم صاحب المقالة في التشبيه قال: إن الله تعالى مماس لعرشه لا يفضل منه شيء من العرش ولا يفضل عن العرش منه شيء. القول الثاني: قول من أثبت الاستواء على أنه فعل فعله الرب في العرش فهو صفة للعرش، وهو قول محكي عن أبي الحسن الأشعري حكاه البيهقي وشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو لازم لكل من أثبت الاستواء وهو ينكر الأفعال الاختيارية من الكلابية وأتباع الأئمة. القول الثالث: قول من أثبت الاستواء على ما ورد به النص ونفى سائر المعاني اللازمة للاستواء من العلو والرفعة ونحوها، كالبيهقي في الاعتقاد، والقاضي أبي يعلى في المعتمد، وهو مذهب لمن هو متأثر بأهل الحديث والسلف ومتأثر بما عليه قول المتكلمين من الكلابية والأشاعرة فيثبتون اللفظ كالنزول والاستواء والمجيء والإتيان، وينفون المعاني المتعلقة باللفظ الدالة على الفعل بالمشيئة والاختيار. انظر قول المعتزلة في: مقالات الإسلاميين ١/ ٢٣٦، شرح الأصول الخمسة ص ٢٧٧، المغني لعبد الجبار المعتزلي ٥/ ٢١٦، وقول الأشاعرة في: الاقتصاد في الاعتقاد ص ١٦٤ - ١٦٦، والإرشاد للجويني ص ٥٨ - ٥٩، والآمدي ص ١٤١، المواقف للإيجي ص ٢٧٣، وانظر: قول السلف في شرح اعتقاد أهل السنة للالكائي ٣/ ٣٨٧، رد الدارمي على بشر المريسي ص ٢٣، التوحيد لابن خزيمة ص ١٠١، مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ٥/ ١٣٦ - ١٤٢، وقد استقصى النقل عن السلف في إثبات العلو والاستواء كل من شيخ الإسلام في رسالة التدمريةن والذهبي في كتابه العلو للعلي الغفار، وابن القيم في كتابه إجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية. وانظر: قول الكرامية في الملل والنحل للشهرستاني بهامش الفصل ١/ ١٤٥ - ١٤٦، ٢/ ٢١ - ٢٢، وانظر قول الأشعري المحكي عنه في الأسماء والصفات للبيهقي ص ٥١٧، مجموع الفتاوى ٥/ ٣٨٦، وانظر: قول البيهقي في الاعتقاد ص ٤٤، وقول القاضي أبي يعلى في المعتمد في أصول الدين ص ٥٤.