للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٧ - فصل

ومن الأدلة المذكورة لنا على الله أن يفعل بالعباد ما شاء، وإن لم يكن لهم فيه مصلحة أنا نرى في الشاهد أن الله يؤلم الأطفال بالعذاب الدائم، ويصيبهم بالعلل التي تنقطع منها أوصالهم من غير جناية سبقت منهم، وكذلك الحيوان المسخر لبني آدم في الركوب والذبح والطبخ وكذلك جعل بعض بني آدم ملكاً لبعض، ولا يستحيل في العقل أن يكون المالك مملوكاً والُمسخَر مُسخِراً، هل في ذلك للعقل مجال إلا أن المالك محكم في ملكه يفعل فيه ما يشاء.

فأجاب المخالف القدري عن ذلك وقال: المصلحة في ذلك هو اعتبار للمكلفين والإنعام عليهم بالركوب والذبح والتنبيه لهم بإيلام البهائم والأطفال، ثم هو يعوض المؤمنين على ما أصابهم من الآلام والمشاق أعواضاً تستحقر الآلام بجنبها، فبالاعتبار (١) تخرج الآلام عن أن تكون عبثاً، وبالعوض يخرج عن أن يكون المرض ظلماً (٢).

والجواب: أن يقال: خلق الله الألم في الأطفال والبهائم ليعتبر به المكلفون فيينتبهوا به، لا مصلحة للأطفال والبهائم فيه بل المصلحة فيه لغيرهم، وعلى مقتضى قولكم إن الله يخلق في الدنيا ناراً كنار جهنم ويخلق أطفالاً وبهائم فيها ليراها المكلفون ويعتبروا بعذابهم وينبههم بذلك على عذاب جهنم في الآخرة، وأنتم لا تقولون بذلك.

وأما قول المخالف: إن الله يعوض الأطفال والبهائم على ذلك بالآخرة، فالجواب عنه من وجوه:

أحدها: أن قولهم هذا يؤدي إلى أن كل ذرة أو بقة أو برغوث خلقه


(١) في الأصل في الكلمة زيادة (ل) هكذا (فبال لأعتبار) والصواب ما أثبت من - ح-.
(٢) عقد القاضي عبد الجبار المعتزلي فصلاً عن الآلام والأعواض في كتابه شرح الأصول الخمسة ص ٤٨٣ وعلل إيلام الأطفال والبهائم بما ذكر هنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>