للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٣ - فصل

شبهة لقدرية بقوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} (١).

ولنا عن هذه الآية جوابان:

أحدهما: ما روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في تفسير هذه الآية {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} "يعني من فتح وغنيمة (٢) فمن الله، {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ} أي من بلية {فَمِنْ نَفْسِكَ} أي فبذنبك وأنا قدرت ذلك عليك" (٣).

وهذا كقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} (٤).

وأصل هذا أن المنافقين كانوا إذا أصابهم فتح وغنيمة قالوا: هذا من عند الله، وإذا أصابهم بلية وهزيمة قالوا هذا من محمد صلى الله عليه وسلم ومن شنآنه، فأخبر الله عنهم بقوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} ببدر يعني وهي الفتح والغنيمة {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} يعني القتل بأحد (٥) {يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}، فأكذبهم الله وقال: قل يا محمد: قُل {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}، ثم قال بعد ذلك على وجه الإنكار


(١) النساء آية (٧٩).
(٢) في الأصل (الغنيمة) وهي - ح- كما أثبت.
(٣) أخرجه ابن جرير ٥/ ١٧٥ بنحوه، واللالكائي في السنة ٣/ ٥٥٣.
(٤) الشورى آية (٣٠).
(٥) ذكر القرطبي في تفسيره ٥/ ٢٨٤ خمسة أقوال في المراد بالحسنة والسيئة كلها ترجع إلى أن المراد بالحسنة السراء والمراد بالسيئة الضراء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "بعض الناس يظن أن المراد هنا بالحسنات والسيئات الطاعات والمعاصي فيتنازعون، هذا يقول كل من عند الله، وهذا يقول الحسنة من الله والسيئة من نفسك، وكلاهما أخطأ في فهم الآية، فإن المراد بالحسنات والسيئات النعم والمصائب كما في قوله: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أي امتحناهم واختبرناهم بالسراء والضراء". الفتاوي ٨/ ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>