للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} ومعناه أفمن نفسك، فحذف ألف الاستفهام وهو مراد في الكلام لدلالة الحال (١)، كقوله تعالى: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً} (٢). ومعناه ويقولون ربنا ما خلقت هذا باطلاً فحذف ويقولون لدلالة الحال عليه.

والجواب الثاني: أن الآية تقتضي أن أفعال الطاعة خلق لله لأنه أضافها إلى نفسه، والقدرية يقولون إن أفعال العباد كلها في الطاعة والمعصية خلق للعباد، فإذا ثبت ذلك لله في أفعال الطاعة ولزمهم ذلك في أفعال المعاصي لأن أحداً لم يفرق بينهما (٣).

فأجاب المخالف القدري عن هذا بأن قال: إنما أضاف الحسنات إليه لأنه أمر بها وأرادها، ولم يضفها إليه لأنه خلقها، ولم يضف السيئات إليه لأنه لم يأمر بها ولم يردها ولم يخلقها (٤).


(١) ذكر هذا القول القرطبي من ضمن الأقوال في الآية ولم يبين قائله. انظر: تفسير القرطبي ٥/ ٢٨٥، وهذا القول يعتبر هنا قولاً ثانياً لأنه لا يتفق مع ما ذكره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - الذي هو الأظهر والأرجح في معنى الاية، وهو الذي ذكره ابن جرير وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير وغيرهم. انظر: تفسير ابن جرير ٥/ ١٧٥، الفتاوى ٨/ ٢٣٩، تفسير ابن كثير ١/ ٥٢٧.
(٢) آل عمران آية (١٩١).
(٣) ذكر الآجري - رحمه الله - رداً على القدرية غير ما ذكر هنا وهو أن الله قال: {مَا أَصَابَكَ} فدل على أن الله هو الذي فعل فيه هذا من خير أو شر ونص كلامه عزوجل: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ} الآية، أليس الله أصابه بها خيراً أو شراً؟ فاعقل يا جاهل، أليس قال الله تعالى: {نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ}، وقال عزوجل: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} وقال عزوجل: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} وهذا في القرآن كثير، ألا ترى أن الله عزوجل يخبرنا أن كل مصيبة تكون بالعباد من خير أو شر فالله عز وجل يصيبهم بها وقد كتب مصابهم في علم قد سبق وجرى به القلم. الشريعة ص ٢٤٧.
(٤) لم يذكر أحد من المفسرين أن المراد هنا بالحسنة والسيئة أنها الطاعة والمعصية، والذي ذكره القرطبي من الأقوال تدور كلها حول النعمة التي ينعم الله به على الإنسان، أو البلية التي يبتليه الله بها فيكون على هذا المراد بالحسنة والسيئة في هذه الآية نحو المراد بها في قوله تعالى هن آل فرعون لما أصابهم الله بالحديث ونقص الثمرات {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} انظر: تفسير ابن كثير ١/ ٥٢٧، وذكره القرطبي بتوسع ٥/ ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>