للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٥ - فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنّ … } (١) الآية، فمن ذرأه الله لجهنم فهل ذلك إلا لأن الله أراد كفره ولم يرد إيمانه.

فأجاب المخالف القدري عن هذا وقال: لا حجة لهذا المستدل، لأن الله أورد الاية مورد الذم لهم ولم يستحقوا الذم إلا بأعمالهم، وقد اختلف في معنى الآية فمن الناس من قال معنى قوله: {ذَرَأْنَا} أي ميزنا لجهنم، ومنه سميت الرياح الذاريات من حيث كانت تفصل بين كثير من الأشياء، وإنما ميزهم بعد أفعالهم بأسمائهم وأحكامهم، ومنهم من قال: بل المراد بالذري هو خلقهم بالآخرة بعد الموت، ولا شك أنه يخلق في ذلك الوقت خلقاً للنار، ولكنه قد أعلمنا أنه لا يبعث من الخلق إلى النار إلا من مات مصرا على الكفر، يدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} الآية وقد علمنا أنهم لم يكونوا في الدنيا هكذا فيجري مجرى قوله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً … } (٢) الآية، ومنهم من قال: بل المراد خلقهم في الدنيا إلا أن هذه اللام هي لام العاقبة، ومعناها أنه خلق الخلق للعبادة، إلا أنه علم أن عاقبة كثير منهم تصير إلى النار لكفرهم فصار كأنه ما خلقهم إلا لها كقوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (٣)، ومتى حملت هذه الآية على أحد هذه الأوجه وافقت قوله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ} (٤).

والجواب أن يقال لهذا المخالف: الآية وردت بلفظ الخبر وخبره لا يكون


(١) الأعراف آية (١٧٩).
(٢) الإسراء آية (٩٧).
(٣) القصص آية (٨).
(٤) الذاريات آية (٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>