للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٩ - فصل

ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} (١).

فأجاب المخالف القدري وقال: المراد بالشر ههنا ما يصيبهم من مصائب الدنيا كالمرض والموت وذهاب الأموال والأولاد.

والمراد بالخير ما ينالهم من نعم الدنيا، كالخصب وسعة المال وكثرة الأموال والأولاد يدل عليه قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}، والمراد بالفتنة الامتحان.

والجواب: أن الشر اسم جنس يعم جميع الشر في الأعمال وغيرها، والخير اسم جنس يعم جميع الخير في الأعمال وغيرها، ويؤيد هذا قوله تعالى: {الَّذِي (٢) خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (٣).

وجواب آخر وهو أن يقال للقدرية: عندكم أن الله لا يفعل بالعبد إلا ما فيه صلاح له (٤)، فإذا ثبت أنه ابتلاهم أي اختبرهم في الشر من المرض والمصائب في النفس والولد لينظر صبرهم، ويبتليهم بالخير بالنعم والخصب لينظر شكرهم فأي مصلحة لهم في تعريضهم بأن لا يصبروا أو لا يشكروا فيستوجبوا منه العقوبة، فعلم أن الأمر بخلاف ما ذكرتم وأن الله يفعل بعباده ما شاء سواء كان لهم فيه مصلحة أو مضرة (٥) ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.


(١) الأنبياء آية (٣٥).
(٢) في كلا النسختين (هو الذي) وهو خطأ.
(٣) الملك آية (٢).
(٤) تقدمت الإشارة إلى هذا. انظر: ص ٢٧٢.
(٥) الله جل وعلا لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، إلا أن أفعاله وما يقضيه جل وعلا إنما هو صار عن حكمة قد يعلمها الخلق وقد لا يعلمونها، وليس في أفعاله جل وعلا شر محض كما تقدم بيانه ص ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>