للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٩ - فصل

قال هذا المخالف بكتابه الدامغ له: لو كانت أفعالنا خلقاً لله لم تقف على أحوالنا فتوجد بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا، متى أردنها وجدت ومتى كرهناها لم توجد، مع سلامة الأحوال كما لا يجب ذلك في ألواننا وصورنا وطولنا وقصرنا.

والجواب أن نقول: ما قدر الله من وقوع أفعالنا المكتسبة ما ننكر أن ذلك وقع بقصدنا واختيارناأ وعلى هذا القصد والاختيار وقع المدح والذم والثواب والعقاب، إلا أن الله هو الخالق لقصدنا ومشيئتنا لأنه شيء وقد قال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (١) ومشيئتنا وقعت بمشيئة الله. قال الله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (٢).

وأما قوله: متى أردناها وجدت ومتى كرهناها لم توجد فغير مسلم (٣)، فإن الإنسان قد يريد بقلبه وقوع أفعال منه من الخير أو الشر ويجب ذلك، فإذا لم يرد الله وقوع ذلك منه لم يقع منه بالجملة أو يقع بعضها إذا أراده الله وقضاه، بدليل أن الإنسان قد يريد الجماع ويحبه، وإذا لم يرد الله وقوع ذلك منه لم يقدر عليه، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم- "كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس" (٤).


(١) الزمر آية (٦٢).
(٢) الإنسان آية (٣٠).
(٣) أي غير مسلم إطلاق ذلك وإلا إذا توفرت دواعي الأمر وارتفعت الموانع وقع الفعل ويكون واقعاً بإرادة الله جل وعلا حيث لو لم يرد وقوعه لجعل دونه مانعاً يحول بينه وبين وقوعه كقوله جل وعلا: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ}.
(٤) أخرجه م. كتاب القدر (ب. كل شيء بقدر) ٤/ ٢٠٤٥، حم ٢/ ١١٠، ط. (ب. النهي عن القول بالقدر) ص ٧٨٥، والبخاري في خلق أفعال العباد ص ١٧، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة ٤/ ٥٨٠ كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. وليس في شيء منها قوله: "بقضاء"، ووجه الاستدلال بالحديث أنه جعل العجز عن الأمر الذي يريده الإنسان بقدر، وهذا ظاهر في المراد.

<<  <  ج: ص:  >  >>