للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: من الآية الأولى دليلان:

أحدهما: أن الله أخبر أنه يخلق ما يشاء (١) ومثلها قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء} (٢)، والمشيئة والإرادة معنى واحد (٣)، وقد وافقت القدرية على أن الله أراد الطاعة من العباد، وقد أطاعه بعضهم، فيجب على هذا أن يكون الله هو الذي خلق أفعالهم في الطاعة، فإذا سلموا ذلك في أعمال الطاعة لزمهم ذلك في أفعالهم في المعصية لأن أحداً لم يفرق بينهما.

والدليل الثاني: منها ومن الآية بعدها، أنه أثبت الخيرة لنفسه ونفاها عن العباد. فأجاب القدري المخالف عن هذا وقال: يحتمل أن يكون المراد أن الله متى اختار خلق الإنسان على صورة الذكور أو الإناث أو السواد أو البياض لم يكن الإنسان اختيار شيء في خلقه سوى ذلك.


(١) في - ح- (ما يشاء ويختار).
(٢) النور آية (٤٥).
(٣) المشيئة والإرادة بمعنى واحد إذا كانت تتعلق بالإرادة الكونية القدرية كقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} البروج آية (١٦)، {إنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} الحج آية (١٦)، فالإرادة هنا بمعنى المشيئة لأنها لا بمعنى تتخلف بل لابد من وقوعها، وهي على معنى قول المسلمين (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن)، أما الإرادة الدينية الشرعية مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الآنْسَانُ ضَعِيفاً} النساء آية (٢٧ - ٢٨)، {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} المائدة آية (٦)، فهذه الإرادة لا تأتي بمعنى المشيئة لتعلقها بالمحبة والرضا والشرع والدين، وهذا قد يقع وقد يتخلف وهي المقصودة بقول المسلمين لمن يفعل القبائح (هذا يفعل ما لا يريده الله) أي ما لا يحبه ولا يرضاه، ولا يمكن أن يقال هنا (ما لا يشاؤه) لأن كل ما في الوجود إنما وقع لأن الله شاءه كقوله عزوجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا} البقرة آية (٢٥٣)، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} الأنعام آية (١٣٧)، وغيرها من الآيات. فهذا يدل على أن المشيئة والإرادة ليستا بمعنى واحد في الحالتين، وإنما هما بمعنى واحد في الإرادة الكونية القدرية، والله أعلم. انظر: شرح العقيدة الطحاوية ص ١١٥ - ١١٧، وما تقدم ص ٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>