للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٢ - فصل

ومن الأدلة المذكورة لنا في الرسالة قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (١) فأخبر أنه ألهمهم الفجور والتقوى.

فأجاب المخالف القدري عن هذا وقال: لا حجة لهذا المستدل، لأنه أخبر أن الفجور والتقوى من أفعال العباد، لأن الإلهام هو: التعريف للفجور وللتقوى، فلولا أنها من فعلهم لما كان لتعريفهم معنى لذلك، لأنهم متى عرفوا منفعة التقوى خملوا أنفسهم عليه، ومتى عرفوا مضرة الفجور تجنبوه.

والجواب: أن إضافة الفجور والتقوى إلى النفس لا يدل أنها خلق لهم، لأن الله قال: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا} (٢) فأضاف الماء والمرعى إلى الأرض، فلا يدل على أن ذلك من فعلها، بل أضافها إلى النفس لأنها (٣) محل لخلق الله ذلك فيها (٤) ولأنهما (٥) كسب لها (٦)، كما أنه أضاف الماء والمرعى إلى الأرض لأنها محل لخلق الله ذلك (٧) فيها. وموضع الحجة من الآية لنا أن كثيراَ من أهل التفسير قالوا: ألهمها فجورها وتقواها أي جعل فجورها وتقواها (٨)، واستدلوا على ذلك بما روي عن أبي الأسود الديلي (٩)


(١) الشمس آية (٨).
(٢) النازعات آية (٣١).
(٣) في النسختين (لأنهما) والصواب ما اثبت لأن الضمير عائد إلى النفس.
(٤) في النسختين (فيهما) والصواب ما أثبت لأن الضمير عائد إلى النفس.
(٥) في الأصل (ولأنها) والصواب ما أثبت كما هو في - ح-، لأن الضمير يعود على الفجور والتقوى.
(٦) في الأصل (لهما) والصواب ما اثبت لأن الضمير يعود على النفس، كما هو في - ح-.
(٧) (ذلك) ليست في - ح-.
(٨) ذكر ابن جرير في معنى الآية قولين، القول الأول: أن معنى ذلك بين لكل نفس الخير والشر وبه قال ابن عباس ومجاهد والضحاك.
القول الثاني: أي جعل فيها فجورها وتقواها وبه قال ابن زيد. انظر: تفسير ابن جرير ٣٠/ ٢١٠، وانظر أيضا: تفسير ابن كثير ٤/ ٥١٦.
(٩) أبو الأسود الديلي ويقال الدؤلي البصري القاضي، اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان من كبار التابعين، وهو محضرم ممن أسلم زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وهو أول من تكلم بالنحو توفي سنة (٦٩ هـ). انظر: تهذيب التهذيب ١٢/ ١٠، التقريب ص ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>