للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨٤ - فصل

ومن الأدلة المذكورة لنا أن الله سبحانه يفعل ما يشاء في العبد وإن لم يكن للعبد فيه مصلحة (١) قوله تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} (٢).

فأخبر سبحانه أنه إنما أملى (٣) لهم ليزدادوا إثماً، ولم يمل لهم لما فيه خير وصلاح.

فأجاب المخالف القدري، وقال: لا حجة لهذا المستدل بهذه الآية، بل الحجة منها، لأنها وردت مورد الذم للكفار والوعيد، بدليل قوله في آخر الآية: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} (٤) لا يذمهم ولا يعذبهم إلا على فعلهم، وحذرهم الاغترار بالإملاء. ولم يكن الإملاء لخير استحقوه عند الله، وإنما أملى لهم ليرجعوا أو يتوبوا في مدة الإملاء (٥)، فأما قوله: {لِيَزْدَادُوا إِثْماً} فإن هذه اللام للعاقبة.

والجواب: أنا لا ننكر أنها وردت مورد الذم والوعيد، ولكن لا يدل أنهم خلقوا وأفعالهم في الإثم، بل أفعالهم خلق لله وكسب لهم (٦) على ما مضى، وأما قوله: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} فلا ننكر أنه أمرهم بالتوبة، ولكن


(١) يرد المصنف في هذا الفصل على المعتزلة في قولهم بوجوب الأصلح. وقد تقدمت الإشارة في التعليق ص ٤٥٧، كما أن في الاية المذكورة هنا والآيات التي يستدل بها المصنف هنا للرد على المعتزلة دليل على إثبات الحكمة في أفعال الله.
(٢) آل عمران آية (١٧٨).
(٣) في - ح- (يملي).
(٤) في - ح- (أليم) وهو خطأ.
(٥) هذا التصريح بالمخالفة من القدري يدل على انحرافه عن الأخذ من صريح القرآن فإن الآية ظاهرة في التعليل بأن الإملاء إنها هو ليزدادوا إثما، ومع ذلك حرفها المخالف بأن الإملاء إنما هو ليرجعوا ويتوبوا.
(٦) في الأصل (وكسبهم) وفي - ح- كما أثبت وهو الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>