للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإنسان جعل له السمع والبصر والكلام فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} (١)، فتكون كسائر نعمه التي خلقها الله فيهم قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (٢).

ويدل على أن أقوال العباد وأفعالهم خلق لله تعالى قلوه فيما أخبر من خلود أهل النار لما شهدت عليهم جلودهم (٣)، قالوا: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} (٤)، وحقيقة الإنطلاق من الله أن خلق النطق فيهم.

ويدل على خلق الأفعال قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} (٥)، وقوله (يسير) على وزن يقلِّب الليل والنهار، وهو خلقه لاختلاف الليل والنهار فتكون يسير أي يخلق السير فيهم (٦)، والقدرية لا يقولون إن الله أنطق الخلق ولا أنه سيرهم بل هم الخالقون لنطقهم وسيرهم، وهذا رد منهم للقرآن الذي ختم الله على قلوبهم وجعل عليها أكنة أن يفقهوه.

قال المخالف: أما قول المستدل كما أنه لا إله ولا رازق إلا الله كذا لا خالق للأشياء إلا الله فهذا جمع بغير علة ويجوز أن يقال لمن وهب لغيره شيئاً رزقه. قال الله تعالى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} (٧)، وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (٨).

والجواب أن قوله: جمع من غير علة خطأ، بل العلة المقتضية للجمع


(١) البلد آية (٨ - ٩).
(٢) النحل آية (٥٣).
(٣) في - ح - قال: "ألسنتهم و أيديهم" وهو خطأ وفي الأصل كما أثبت وهو موافق للفظ الآية {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}.
(٤) فصلت آية (٢١).
(٥) يونس آية (٢٢).
(٦) ذكر هذه الآية ابن القيم - رحمه الله - في الاستدلال لخلق أفعال العباد، وقال: "فالتيسير فعله والسير فعل العباد وهو أثر التيسير". شفاء العليل ص ٥٨.
(٧) النساء آية (٨).
(٨) الجمعة آية (١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>