للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - فصل

احتج هذا المخالف بدامغه بما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال للشيخ الشامي الذي سأله عن مسيره إلى الشام، أكان بقضاء من الله وقدر: "لعلك ظننت قضاءاً لازماً وقدراً حتما لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب" (١)، هذه نكتة قوله ومعتمده من الخبر.

فالجواب: أنه لو صح هذا عن علي - رضي الله عنه - لم يلزم علينا بهذا حجة، فإنما يلزم الحجة بذلك على المجبرة (٢) الذين يقولون لا كسب للعبد بفعله و لا صانع له، وهذا يدل على انه لا فهم عند هذا المخالف في الفرق بين المقالتين، ثم تعارض هذه الرواية برواية صح إسنادها عن علي - رضي الله عنه - قال: "الأعمال ثلاثة: فرائض، وفضائل ومعاصي، فأما الفرائض فبأمر الله وبمشيئة الله وبقضاء الله وقدره وبرضاء الله ومحبته وتخليق الله وبإذن الله وبعلمه، ثم يثاب العبد عليه، وأما الفضائل فليست بأمر الله (٣) ولكن بتحضيض الله، وبمشيئة الله وبقضاء الله وقدره وبرضا الله وبمحبة الله وبإذن الله وبعلم الله وتخليق الله ويثاب العبد عليه، وأما المعاصي فمشيئة الله ليس بأمر الله (٤) وبقضاء الله ليس برضا الله وبقدر الله ليس بمحبة الله


(١) ذكره في نهج البلاغة ٤/ ١٧، وسيأتي بطوله ص ٦٦٠ حيث ذكره المصنف.
(٢) المجبرة: هم الذين يقولون: إن الإنسان مجبور على فعله، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده، وأنه هو الفاعل، وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال: تحركت الشجرة وزالت الشمس، وإنما فعل ذلك فيها الله عزوجل. وقائل هذا هو جهم بن صفزان الترمذي رئيس الجهمية وتقدم بيان بعض ضلالاته، ووافقه على هذا شيبان بن سلمة رئيس فرقة الشيبانية من الخوارج. انظر: مقلات الإسلاميين ١/ ٣٣٨، الفصل لابن حزم ٣/ ٢٢، الفرق بين الفرق ص ٢١١، والملل والنحل بهامش الفصل ١/ ١٠٨، ١٧٨.
(٣) المراد بهذا نفي الأمر الحتم أو أمر الوجوب، أما الاستحباب فهو موجود ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة" أخرجه: خ. كتاب الجمعة (ب. السواك يوم الجمعة ٢/ ٤ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والمراد أمر إيجاب، أما أمر الاستحباب فقد أمر به.
(٤) المراد ليس بأمر الله الشرعي لأن الله لا يأمر بالفحشاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>