للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمتى حصل للإنسان المعرفة بالله وبصفاته وعلم أن من جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم- حق، حصلت له المعرفة وأدنى المعرفة ما لا يجامعها الشكوك، وأعلى معارف الخلق لله معارف الأنبياء والملائكة لله وهم بذلك متفاضلون (١).

ولم يكلف الله الخلق أن يعرفوه كمعرفته لنفسه ولا كمعرفة الأنبياء له بل إذا حصلت للإنسان المعرفة بالأدلة من القرآن أو أخذ ذلك بالتلقين من أبويه في الصغر أو بتقليده العلماء والصالحين في صغره ثم بلغ وصمم على هذه العقيدة فإنه مؤمن كامل الإيمان (٢) وإن لم يحصل له المعرفة بالأدلة التي رتبها المتكلمون ووضعوها، بل قد صرح العلماء من أهل الحديث والفقهاء المشهورون بتحريم الكلام، وقالوا: هو محدث وبدعة في الدين، وقالوا: لو كان طريقاً صحيحاً لمعرفة الله سبحانه لنبه الله سبحانه عليه في القرآن ولأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- به وتكلمت به الصحابة رضي الله عنهم.

وقد علَّم النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه الاستنجاء ودلهم على جميع الأحكام فلو كان الكلام من مهمات الدين لنبه النبي - صلى الله عليه وسلم- عليه.

وروي عن الشافعي (٣) أنه قال: "لأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا


(١) سيأتي ذكر المصنف للتفاصيل في معرفة الله في فصل زيادة الإيمان ونقصانه ص ٧٦٢.
(٢) لعل قول المصنف هنا عن المصدق "فإنه مؤمن كامل الإيمان" يقصد بذلك من ناحية التصديق وأنه لا يحتاج إلى المعرفة عن طريق الأدلة التي رتبها المتكلمون. والمصنف - رحمه الله - أثبت من قبل في أول الرسالة أن الإيمان قول واعتقاد وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ص ٩٩، وسيعيد ذلك في الفصول المتعلقة بالإيمان، فلا يظن به أنه قصد أن من أتى بالتصديق دون العمل فهو مستحق لوصف الإيمان الكامل لأن هذا قول الأشاعرة ومن وافقهم. وسيأتي بيان ذلك.
أو لعل قوله: "فإنه مؤمن كامل الإيمان" خطأ سبق به القلم ويكون قصد (كامل المعرفة) لأن الكلام السابق كله في الكلام على المعرفة والمعرفة ليست هي الإيمان وإنما لا بد في الإيمان من المعرفة. والله أعلم.
(٣) محمد بن إدريس الشافعي المطلبي الإمام عالم العصر ناصر الحديث فقيه الملة، ولد سنة (١٥٠ هـ) بغزة وتوفي أول شعبان (٢٠٤ هـ) بمصر. انظر: تذكرة الحفاظ ١/ ٣٦٢، ١٠/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>