للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩١ - فصل

استدل المخالف القدري بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: "من أضاف إلى الله ما تبرأ عنه فقد افترى على الله".

وروي عنه أنه قال: "لعن الله قوماً يحملون ذنوبهم على الله".

وروي عنه أنه قال: "قاتل الله قوماً يعملون المعاصي ثم يزعمون أنها من الله".

والجواب: أن هذه الأحاديث لم يذكرها علماء الحديث في الأصول التي اتفق علماء الأمصار على صحتها والاحتجاج بها، فيجب على من احتج بها إثبات السند فيها، وعلى أنا نحمل هذه الأخبار على أنه لعن قوماً قالوا إن الله أخبر الخلق على أعمالكم وهلك من قال ذلك (١).

والذي ذكر أصحاب الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنه - ما قدمنا ذكره عنه. وروى عنه مجاهد أنه قيل لابن عباس: إن ناساً يقولون في القدر، فقال: "يكذبون بالقرآن لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه (٢)، إن الله عز


(١) قوله (وهلك من قال ذلك) ليست في الأصل وإنما هي في - ح- ولكلام ابن عباس - رضي الله عنه - إن صح عنه معنى صحيح، وهو أن المراد به الذين يعملون المعاصي وينسبونها إلى الله عزوجل، كما قال عزوجل عن المشركين {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء} فعملوا المعاصي واحتجوا لها بالقدر، فهذا من الفجور والكذب، فقد قال الله عزوجل بعد هذه الآية السابقة {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وقد تقدم بيان ذلك.
ويحمل أيضاً قوله "من أضاف إلى الله ما تبرأ منه وتنزه عنه فقد افترى على الله" أي من يضيف إلى الله الأمر بالمعاصي أو محبتها فهذا ما تبرأ الله عزوجل منه في قوله: {قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} وقال عزوجل: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} وما أشبهها فهذا الذي تبرأ الله منه، أما خلق المعاصي وتقديرها فهذا قد مرت الأدلة على أن كل ما في السموات والأرض فمن خلق الله وتقديره.
(٢) لأنصونه: أي لآخذن بناصيته. انظر: اللسان ٦/ ٤٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>