للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٤ - فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (١) وأخبر سبحانه أنه خلقهم ونفس أعمالهم، كما أخبر أنه يجازيهم على نفس أعمالهم بقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (٢)، فانصرف ذلك إلى حركاتهم في العمل وصار التقدير (خلقكم وعملكم).

فأجاب القدري المخالف وقال: لا حجة لهذا المستدل بهذه الآية، لأن المراد بالآية والله خلقكم والحجارة التي تعملونها أصناماً بدليل قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} (٣) وأراد الأصنام لأنهم عبدوها ولم يعبدوا أعمالهم، هذا نكتة قوله.

ولنا عن ذلك أجوبة أحدها: أن يقال: هذا صرف للكلام عن ظاهره وتبديل، والتصريف يشهد لصحة ما قلنا وذلك أنه يقال: عمل يعمل عملاً فهو عامل، والعين معمول فيها، فالعمل هو المصدر وهو اسم العمل وهو حركته بالعمل أو آثار عمله، فاسم العمل يقع على ذلك حقيقة فمن حمل العمل عليه صرفه إلى الحقيقة، والعين المعمول فيها وهي الأخشاب والأحجار المنحوتة لا تسمى عملاً وإنما تسمى معمولاً بها وتسمى معمولاً بها مجازاً لا حقيقة لأنه لا يعملها حقيقة (٤).

جواب ثان: أنه يصح نفي العمل عن العين المعمول بها ولا يصح نفي العمل عن حركات العامل ولا عن آثار عمله بأن تقول: ما رأيت بناء زيد ولا نحته، وإنما رأيت الأحجار والأخشاب التي بنى بها ونحتها بعد زوال بنائه ونحته، ويصح أن تقول: رأيت عمل زيد ونحته إذا رآه يتحرك بالبناء والنحت وإن لم ير العين التي بنى بها ولا أثر نحته، ولا يصح أن تقول:


(١) الصافات آية (٩٦).
(٢) السجدة آية (١٧).
(٣) الصافات آية (٩٥).
(٤) مراده هنا بـ (لا يعملها حقيقة) أي لا يخلقها بإيجادها من العدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>