للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما رأيت عمله إذا رأى حركته في العمل أو آثار عمله، وإن رأى العين بعد زوال عمله بها.

جواب ثالث: أن المشركين إنما كانوا يعبدون من الأخشاب والأحجار أوثاناً وأصناماً، فالأوثان: ما نحتوه على مثال ما ليس له صورة، والأصنام على مثال ما له صورة (١) فقوم إبراهيم عليه السلام إنما عبدوا تلك الأوثان والأصنام لأجل نحتهم وتصويرهم الذي نحتوه وصوروه تعظيماً للنحت والتصوير لا للأعيان (٢) بدليل أنهم كانوا لا يعبدونها قبل ذلك، ولما كسرها إبراهيم عليه السلام وأزال تصويرها ونحتها بطلت عندهم أن تكون آلهة، فرد الله عليهم ذلك وأخبرهم أن هذا النحت والتصوير الذي عبدوها لأجله لا يقتضي كونها معبوده لأنه الخالق له فقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أي خلقكم وخلق عملكم ويدل هذا التأويل أن الصنعة في الأعيان تدل على حكمة الصانع لها ولهذا قال: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} (٣) فالمسلمون إنما استدلوا على الله وعلى


(١) انظر: النهاية لابن الأثير ٥/ ١٥١، اللسان ٤/ ٢٥١١، ٦/ ٤٧٦٥.
وقد ورد فيها غير ما ذكر المصنف وهو أن الوثن: ما كان له جثة من خشب أو حجر أو فضة ينحت ويعبد. والصنم: الصورة بلا جثة.
(٢) عبادة المشركين للأصنام منها ما يكون تعظيماً لمعظم لديهم فينحت الصنم على هيئته ويعبد كما هو الحال في (ود وسواع ويغوث ويعوق زنسراً)، فقد روى البخاري بسنده عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال فيهم: "أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت" خ. كتاب التفسير، تفسير سورة نوح ٦/ ١٣٣.
ومنها ما كانوا ينحتونه لمجرد العبادة فيعبدون الصورة المنحوتة كما ذكر ابن إسحاق أن الناس في الجاهلية اتخذ كل أهل دار صنماً في دارهم يعبدونه فإذا أراد الرجل منهم سفراً تمسح به حين يركب وإذا قدم من سفر تمسح به. انظر: البداية والنهاية ٢/ ٢١٠.
(٣) آل عمران آية ١٩٠) وسقط من الأصل قوله تعالى: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>