للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢ - فصل: والأصول التي بنى أصحاب الحديث عليها أقوالهم، الكتاب والسنة والإجماع والقياس]

وهو: أدلة العقل، أما الكتاب: فهو قول الله تعالى وهو القرآن الذي هو سور وآيات الذي هو خارج عن أجناس النظم وعن كلام البشر بمعاني تصح ولا تفسد (١). منها أنه أخبر به (٢) عما كان في التوراة والإنجيل من القرون الماضية والأنبياء المتقدمين، وكان أميا لا يقرأ كتابا، وأخبر عما يكون قبل أن يكون كدخوله مكة وغَلَبَة الروم وغير ذلك فكان كما أخبر، وأمره الله أن يقول: هذا كلام ربي، وأمرني أن أبلغه إليكم، فقالوا: إنما يعلمه بشر، ولو شئنا لقلنا مثل هذا، فأمره الله أن يتحداهم بالإتيان بمثله أو بعشر سور من مثله أو بسورة من مثله، وهم أفصح العرب على النظم والنشر والخطب والرسائل وأنواع الشعر والسجع وبهم من الحمية والأنفة ورفع العار عن أنفسهم ما يدعوهم إلى أن يعارضوه بمثله، وكان الرجلان إذا تساجلا في الشعر والسجع أو غير ذلك وأتى أحدهما بأفصح مما جاء به صاحبه لحق الآخر من النقص والعار بينهم ما يضيق به ذرعه، وأخبر الله لما تحداهم بالإتيان بمثله أنهم لا يأتون بمثله وإن تظاهروا وتعاونوا فقال تعالى: {لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} (٣) فكان كما أخبر أنهم لم يقدروا على معارضته. وقد عاش فيهم نيفا وعشرين سنة مع حرصهم على تكذيبه وتنفير الناس عنه وتسفيه رأيه، فلو كان من جنس كلامهم لعارضوه ولم يعدلوا إلى قتاله وبذل مهجهم وأموالهم وكان تكذيب قوله بالمعارضة أسهل وأبلغ عند الخلق، ومن تعاطى معارضته بشيء من ذلك سخر منه من كان يحب تكذيب النبي - صلى الله عليه وسلم- وذلك مثل مسيلمة الكذاب، حين تعاطى


(١) هكذا في الأصل وهي كذلك في (ب).
(٢) يقصد بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم- الذي جاءنا القرآن عن طريقه.
(٣) الإسراء آية (٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>