للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقول: الدليل على أن القرآن غير مخلوق، وأن الله تكلم بالحروف قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (١).

فأخبر سبحانه أنه خلق الأشياء بقوله تعالى {كُن} وهما حرفان، فلو كان قوله وهو {كُن} مخلوقاً لاقتضى أن يكون مخلوقاً بـ {كُن} أخرى، وكذا (٢) {كُن} الثانية تقتضي أن تكون مخلوقة بـ {كُن} إلى ما لا نهاية له. وهذا يؤدي إلى المحال (٣).

ومن الدليل على ما ذكرناه قوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ} (٤) والأمر هو القرآن بدليل قوله تعالى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ} (٥)، ففرق سبحانه بين الخلق والأمر. فلو كان القرآن مخلوقاً لكان خلقاً، لأن المخلوق هو الخلق، والخلق هو المخلوق ولكان المعنى في الآية ألا له الخلق والخلق، وهذا خلف في الكلام (٦).

ومن الدليل على ما قلناه قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَان} (٧)، والبيان هو القرآن (٨) بدليل قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} (٩)، فأخبر الله أنه خلق الإنسان وأنه علم البيان، ولم يصفه بأنه خلقه،


(١) النحل آية (٤٠).
(٢) في الأصل (وذكرى) وما أثبت من - ح-.
(٣) ذكر هذا الاستدلال اللالكائي عن البويطي أنه قال: "إنما خلق الله كل شيء بكن فإن كانت "كن" محلوقة فمخلوق خلق مخلوقاً. ثم فصل اللالكائي هذا القول بنحو ما ذكر المؤلف هنا. انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة ٢/ ٢١٧.
(٤) الأعراف آية (٥٤).
(٥) الطلاق آية (٥).
(٦) ذكر هذا الاستدلال الإمام أحمد في الرد على الجهمية ص ٧٣ ضمن عقائد السلف، وذكره اللالكائي في السنة ٢/ ٢١٩ عن ابن عيينة ونعيم بن حماد ومحمد بن يحيى ومحمد بن يحيى الذهلي وغيرهم.
(٧) الرحمن آية (١ - ٣).
(٨) هذا تفسير بعيد ولم أر من ذكره، والذي ورد هو أن المراد بالبيان النطق أو الخير والشر، وقيل: إن المراد به الحلال والحرام. انظر: تفسير ابن جرير ٢٧/ ١١٤، تفسير ابن كثير ٤/ ٢٧.
(٩) آل عمران آية (١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>