للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - فصل: في بيان عقيدة أصحاب الحديث التي أدين الله بها]

وهي الإيمان بأن الله سبحانه واحد لا شريك له، فرد لا مثل له، قديم لا أول له، مُوجد لا موجد له، باق لا انقطاع له، ليس بجوهر (١)، ولا جسم (٢)، ولا عرض (٣) ولا بمحل الأعراض والجواهر والأجسام، ولا يحلها (٤)، مستو على العرش كما أخبر بلا كيفية، حي عالم، قادر، مريد سميع، بصير متكلم.


(١) الجوهر: اختلف في تحديد معناه، فذكر فيه أبو الحسن الأشعري ثلاثة أقوال: قيل: هو القائم بذاته، وقيل: هو القائم بالذات القابل للمتضادات، وقيل: هو ما إذا وجد كان حاملا للأعراض. انظر: مقالات الإسلاميين ٢/ ٨.
(٢) الجسم قيل هو: جوهر قابل للأبعاد الثلاثة، وقيل هو: المركب المؤلف من الجوهر، وقيل غير ذلك. انظر: مقالات الإسلاميين ٢/ ٤، التعريفات ص ٧٦.
(٣) العرض: هو ما يقوم بغيره كاللون المحتاج في وجوده إلى جسم يحله ويقوم به وهو على نوعين: غير قار الذات، وهو الذي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود كالحركة والسكون، وقار الذات: وهو الذي تجتمع أجزاؤه في الوجود كالألوان. انظر: التعريفات ص ١٤٨.
(٤) قول المصنف هنا "ليس بجوهر ولا جسم - الخ" من أساليب المتكلمين وهو النفي المفصل وهذا النفي لا يثبت به لله صفة، وهذه الطريقة من النفي خلاف طريقة القرآن الكريم الذي جاء بالنفي المجمل الذي يثبت به صفة كمال لله عزوجل وذلك مثل قوله تعالى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} الدال على كمال قيوميته وقوله: {لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ} الدال على كمال قدرته وغير ذلك من الآيات، ثم إن هذه الألفاظ (الجوهر والجسم والعرض) ألفاظ مبتدعة لم ترد في القرآن ولا في السنة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولفظ الجسم والجوهر ونحوهما لم يأت في كتاب الله ولا سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- ولا كلام أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين التكلم بها في حق الله تعالى لا بنفي ولا إثبات، ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته إلى المتوكل: "لا أحب الكلام في شيء من ذلك إلا ما كان في كتاب الله أو في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة أو التابعين لهم بإحسان، وأما غير ذلك فالكلام فيه غير محمود"، ثم قال شيخ الإسلام: "وهذه الألفاظ لم يعرف في الإسلام من تكلم بها أو بمعناها إلا في أواخر الدولة الأموية لما ظهر جهم بن صفوان والجعد بن درهم ثم ظهرت في المعتزلة، وهذه الألفاظ لما لم تأت في الكتاب ولا في السنة وجب أن لا تثبت ولا تنفي إلا بعد معرفة المراد منها، فإن كانت توافق حقا ثابتا في القرآن والسنة قبل وغير اللفظ إلى ما يوافق الكتاب والسنة حتى لا يقع السامع في لبس وخلط.
وإن كان المراد منها يخالف الكتاب والسنة ردت ولم تقبل، فلفظ الجوهر إن أريد به ذات مخلوقة فهذا منفي عن الله، وإن أريد به القائم بذاته المباين للخلق في الصفات والذات فهو معنى صحيح ويغير اللفظ.
وكذلك لفظ الجسم فإن أريد به الجسد أو المركب من المادة والصورة فهذا منفي عن الله قطعا، وإن أريد به الموصوف بالصفات وأنه يُرى ويكلم ويتكلم ويبصر ويرضى ويغضب فهذه المعاني ثابتة لله عزوجل، فلا تنفى عن الله لهذا الوصف، ويغير اللفظ حتى لا يوهم الباطل، وكذلك لفظ الأعراض إن أريد به الصفات المخلوقة فهذا باطل، وإن أريد به الصفات القائمة فالله عزوجل ثبت بالكتاب والسنة وصفه بالصفات من النزول والمجيء والكلام وغير ذلك فيثبت المعنى ويغير اللفظ حتى لا يلتبس الحق بالباطل. انظر في هذا الفتاوى لشيخ الإسلام ١٧/ ٣٠٤، ٣١٣، الصواعق المرسلة ٣/ ٩٢٩، ٩٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>