للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يثبتون القدر لله في جميع أفعال العباد، ونحن ننفي ذلك عن الله فكانوا أولى بالاسم أن يقال: هذا المعنى غير صحيح لأنك علقت على العلة ضد مقتضاها ومقتضى العلة أن اسم القدرية أولى أن يقع على من يثبت القدر لنفسه على جميع الأفعال وينفيه عن الله فنسبة الشيء إلى من يدعيه لنفسه وينفيه عن غيره ألوى من نسبته إلى من ينفيه عن نفسه ويثبته لغيره، ألا ترى أنه لا يقال النحوي واللغوي إلا لمن وجد معه نحو ولغة، وكذلك الخارجي لا يقال إلا لمن خرج على علي - رضي الله عنه -، والرافضي لمن رفض الصحابة وكذلك الثنوي (١) إنما سمي ثنوياً لأنه أثبت لله ثانياً يشاركه في الإلهية، فيجب على هذا أن يسمى القدري من أثبت لله من يشاركه في القدر. وألسنة القدرية لهجة بأن لهم قدراً وقدرة على أفعالهم دون الله فهم أولى بتسميتهم قدرية.

وأما استدلاله بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} (٢) ولا شك أن المعاصي من الباطل وأراد بذلك أن الله لا يقضي بالباطل.

والجواب على ذلك أن يقال: القضاء في القرآن ينصرف إلى وجوه (٣) كثيرة وكذلك لفظة (الحق) تنصرف في القرآن إلى معان كثيرة (٤) ولا تكون


(١) الثنوي نسبة إلى الثنوية وهم فرقة من المجوس، ومن الفرق بينهم وبين المجوسية الأصلية أن الثنوية يقولون بإثبات أصلين مدبرين قديمين يقتسمان الخير والشر والنفع والضر والصلاح والفساد يسمون أحدهما النور والثاني الظلمة.
أما المجوسية الأصلية فإنهم يقولون بالأصلين إلا أنهم يقولون لا يجوز أن يكون الأصلان قديمان بل النور أزلي والظلمة محدثة. انظر: الملل والنحل بهامش الفصل ٢/ ٧٢ - ٧٣.
(٢) غافر آية (٢٠).
(٣) ذكر الحافظ في الفتح ٨/ ٣٨٩، في (قضى) تسعة عشر معنىً.
(٤) ذكر فيها الراغب الأصفهاني أربعة أوجه:
الأول: أن الحق يقال لموجِد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل في الله تعالى هو الحق.
الثاني: يقال للموجَد بحسب مقتضى الحكمة لهذا يقال فعل الله تعالى كله حق.
الثالث: في الاعتقاد للشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء نفسه كقولنا اعتقاد فلان في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق.
الرابع: للفعل الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفي الوقت الذي يجب كقولنا فعلك حق وقولك حق. المفردات ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>