للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه، فأما اختراع الكذب والباطل على ما يوافق مذهبهم فلا تقوم به حجة ولا ينقطع به خصم بل يجري مجرى رواية اليهود عن موسى بن عمران - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "شريعتي مؤبدة لا تنسخ" لقنهم ذلك ابن الراوندي (١) فقيل لهم: هذا شيء باطل، لأنه لو كان صحيحاً لاحتجت به اليهود على النبي - صلى الله عليه وسلم- لأنهم أقرب إلى موسى منكم، ثم يقال لهذا المخالف: تروي عن حذيفة وأنس وابن عمر وغيرهم من الصحابة وأنت وأسلافك تطعنون عليهم وتكفرونهم لبيعتهم لأبي بكر وعمر وعثمان وتركهم لعلي - رضي الله عنهم (٢) -؟ وكيف يسوغ لك الرواية عنهم؟، وأيضاً فإن الأخبار والقرآن لم يتصل لنا العلم به عن الصحابة إلا من أصحاب الحديث، وقد صرحت بالطعن عليهم بقولك: "هم حمال أسفار أو أسمار (٣) لا يميزون بين الصحيح والسقيم والحق والباطل". وهذا قول شنيع لا يقبله إلا من لا بصر له، فما حمل هذا المخالف على الاحتجاج بالأخبار التي أوردها إلا ليري العامة الذين يطلب استمالة قلوبهم أن له تعلقاً في الأخبار وهو عن هذا الباب بمعزل، ثم يعارض هذا التفسير الذي ذكر بتفسير منقول في الصحاح التي اتفق على صحتها أئمة الأمصار (٤) وهو ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله أربعة على لسان سبعين نبيّاً أنا آخرهم، قلنا: من هم يا رسول


(١) هو أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الراوندي، الملحد الزنديق، قال ابن الجوزي: معتمد الملاحدة والزنادقة، ويذكر أن أباه كان يهدياً وأسلم هو فكان بعض اليهود يقول للمسلمين لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة. قال الصفدي: كان من متكلمي المعتزلة ثم فارقهم وصار ملحداً زنديقاً، وقد ألف كتبا في الطعن على الإسلام والأنبياء والقرآن أخزاه الله.
قال ابن الجوزي: "إنه علم اليهود أن يقولوا عن موسى: إنه قال: لا نبي بعدي. هلك سنة (٢٩٨ هـ) ". وقد أطال في ذكر بعض مخازيه وكفره ابن الجوزي في المنتظم. انظر: المنتظم ٦/ ٩٩ - ١٠٥، البداية والنهاية ١١/ ١٢٧، الوافي بالوفيات ٨/ ٢٣٢ - ٢٣٨.
(٢) تقدم بيان قول المعتزلة والزيدية في الصحابة ص ١٠٨.
(٣) انظر: الدامغ الباطل ٢١/أ.
(٤) هذا تجوز من المصنف وتساهل في وصف الصحة خاصة وأن الحديث الذي سيذكره موضوع وقد تقدم التعليق على نحو هذا الوصف في بداية هذا الفصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>