للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٤ - فصل

قال المخالف القدري: وأما استدلال المستدل بقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ} (١).

فقد اختلف في تفسيره فمنهم من قال: إن الكفار كانوا إذا سمعوا تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن في صلاة الليل في الحرم أيام كان بمكة في أول الإسلام رجموه وآذوه فأراد الله منعهم من ذلك فألقى عليهم النوم والأمور المانعة من السماع للكلام والفهم له فسمى ذلك حجاباً مستوراً ووقراً في الآذان وأكنة على القلوب وهو قوله تعالى: {جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} إلى قوله: {وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً} (٢).

ومنهم من قال: إنما ذكر الله ذلك على جهة التمثيل ممن هو على هذه الصفة كما سماهم عمياً وبكماً وصماً، وإنما أراد أنهم (٣) بمثابة من هو كذلك وإلا فقد علمنا أنهم لم يكونوا كذلك حقيقة بل كانوا يبصرون ويسمعون ويعقلون أكثر الأشياء، فعلى أي التأويلين حملنا ما أورده (٤) المستدل لم يكن فيه حجة.

والجواب أن يقال لهذا المخالف: صحة قولك في التأويل فرع على صحة قولك في التنزيل، فإذا كان قولك في التنزيل غير صحيح وهو أنك لا تقر بأن هذا القرآن كلام الله حقيقة وإنما تطلق ذلك في احتجاجك لتغر العوام أنك تحتج بكلام الله وأن لك تأويلاً صحيحاً، وحقيقة قولك الذي تعتمد


(١) الأنعام آية (٢٥)، الإسراء آية (٤٦). انظر: ما سبق ص ٣٥٦.
(٢) الإسراء آية (٤٥ - ٤٦) وأول الآية الثانية هو: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً}.
(٣) في النسختين (هم) بدون الألف والنقطة ولعل صوابها ما أثبت.
(٤) في - ح- (ما أورده فيهم).

<<  <  ج: ص:  >  >>