للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٨ - فصل

وقد لبست القدرية على من لا يعرف الأصول واستدلوا على خلق القرآن بقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} (١) فقالوا: نقول إن القرآن محدث يفنى ويذهب كما تفنى سائر المحدثات، ولا نقول إنه مخلوق لأن الخلق يقع على الكذب قال الله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلاّ اخْتِلاقٌ} (٢) أي إلا كذب، و قال سبحانه: {إِنْ هَذَا إِلاّ خُلُقُ الأوَّلِينَ} (٣) أي إلا كذب الأولين (٤).

وهذا منهم تمويه على من لا خبرة له بمذهبهم ومعنى الحدث معنى الخلق عند المتكلمين، وقد ذكرت قبل هذا أن تحقيق مذهبهم وقولهم فيما سمع منهم (٥) من القرآن أنه خلق لهم كسائر كلامهم (٦).

وأما استدلالهم بالآية قلنا عن ذلك أجوبة:

أحدها: أن نقول: إنه لا يرد بالذكر هاهنا القرآن، لأن كل ذكر في القرآن أراد به القرآن فإنه معروف بالألف واللام أو ممدوح أو موصوف بأنه منزل ليفرق بينه وبين غيره بالذكر، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (٧) وقال: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} (٨).

وقال: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ} (٩)، وقال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ


(١) الأنبياء آية (٢) وذكر هذا الاستدلال القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة ص ٥٣٠.
(٢) سورة ص آية (٧).
(٣) الشعراء آية (١٣٧).
(٤) في هامش - ح- تعليق منقول من كتاب (شرح الشهاب) لطاهر بن يحيى العمراني فيه الرد على المعتزلة في استدلالهم بالآية السابقة.
(٥) في الأصل (أن) وما اثبت من - ح- وهو الأصوب.
(٦) يعني بذلك ما تقدم من ذكر قول المعتزلة والقدرية أنهم يخلقون أفعالهم، فلزمهم على هذا إذ لم يكن القرآن عندهم كلام الله أنهم إذا تكلموا وقرأوه به فهو خلق لهم، وهذا ما لم يقل به أحد.
(٧) الحجر آية (٩).
(٨) ص آية (١ - ٢).
(٩) آل عمران آية (٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>