للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦٦ - فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} (١) فنسب الله سبحانه الإرادة في الهداية بشرح صدور المسلمين (٢) إليه، ونسب الإرادة في إضلالهم وجعل صدورهم ضيقة حرجة إليه، وهذا كله أدلة على القدرية لا مخرج لهم عنها.

فأجاب المخالف القدري عن هذا الاستدلال وقال: لا حجة لهذا المستدل بهذه الآية وذلك لما بينا أن الهداية منقسمة إلى معان، أحدها: الثواب، والضلالة منقسمة إلى معان أحدها: العقاب (٣)، فمعنى الآية من يرد الله أن يثيبه من المؤمنين يقدم له شرح الصدر الذي من جملة الثواب العاجل وزيادة اللطف لأجل الإسلام الذي فعله هو، فيكون عند الشرح أقرب إلى الاستقامة على ما هو عليه من الإيمان، ومن يرد أن يعاقبه من العصاة يقدم له حرج الصدر الذي هو جار مجرى العقاب على كفره، فيصير صدره ضيقا حرجا بما هو عليه من الكفر ليكون أقرب إلى الانتقال عن الكفر الذي هو سبب ذلك الحرج في الدنيا والعقاب، وقد دل على أنه أراد بذلك عقابهم بقوله تعالى في آخر الآية: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ}. والرجس هو العقاب فأخبر أنه جعل عليهم الرجس لما لم يؤمنوا.

والجواب أن الهدي يعود إلى معنيين:

أحدهما: هدي بيان ودلالة، وهذا هو الهدي (٤) لجميع المكلفين، وهو


(١) الأنعام آية (١٢٥).
(٢) في - ح- (المؤمنين).
(٣) انظر: كلام القدري في معاني الهداية والضلالة ص ٢٧٥، والمصنف في هذا الفصل يذكر شيئاً من استدلالاته السابقة كما سيأتي مما لم يذكره المخالف هنا ويرد عليه.
(٤) في - ح- (الدال).

<<  <  ج: ص:  >  >>