للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢١ - فصل

قال هذا المخالف بكتابه: لو كان الله سبحانه خالقاً لأقوال العباد وأفعالهم لكان ساباً لنفسه ومكذباً لرسله بخلقه قول من قال ذلك، ولكان قائلاً بأنه ثالث ثلاثة، وأن عيسى ابن الله كما قالت النصارى، وأن عزيراً ابن الله وأن يده مغلولة كما قالت اليهود، ومع ذلك فقد مدح نفسه وأثنى عليها بكتابه فإذا كان الجميع منسوباً إليه فيجب أن يستوي جميع ما أخبر به في الصدق فيكون ممدوحاً مذموماً واحداً ثالث ثلاثة، وهذا كله متناقض فثبت أن ذلك خلق غيره من العباد لا خلقه، هذا نكتة قوله.

والجواب عن ذلك من وجوه:

أحدها: أن نقول: لو كان قولنا بأن الله يكون بخلقه لقول من سبه أو كذب رسله يكون ساباً لنفسه ومكذباً لرسله لكان قولنا جميعاً بخلقه القدرة (١) لمن سبه أو كذب رسله مع علمه أنه يكون ذلك إذ يكون موصوفاً بالقدرة على سب نفسه وتكذيب رسله، ونحن لا نصفه بذلك وإن كان على كل شيء قدير.

والجواب الثاني: وهو أن نقول أليس الله خالقاً للسيوف التي قتل بها أعداؤه أنبياءه، وعلم أنهم يقتلونهم بها قبل أن يخلقها، وخلق ألسنتهم التي كذبوا بها رسله وسبوه، ولا يقال: إنه أعان على قتل أنبيائه وذم نفسه وتكذيب رسله بما خلق لهم من الآلة التي علم لا محالة أنه يكون منهم بها ما وقع، كما أن في الشاهد أن من أعار كافراً سيفاً وعلم بخبر نبي أنه يقتل به نبيّاً فإنه يكون معيناً على قتله.


(١) القدرة والاستطاعة عند بعض المعتزلة هي الصحة والسلامة وتخليتها من الآفات وهو قول بشر بن المعتمر وثمامة بن أشرس وغيلان. وقال أبو الهذيل ومعمر والمردار هي عرض وهي غير الصحة والسلامة. انظر: مقالات الإسلاميين ١/ ٣٠٠، شرح الأصول الخمسة ص ٣٩٢. وعلى كلا القولين هي مخلوقة لله.

<<  <  ج: ص:  >  >>