للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض متأخري الأشعرية أنه قال: لولا الحياء من مخالفة شيوخنا لقلت إن الرؤية العلم لا غير (١).

وهكذا قالوا في سماع موسى لكلام الله أنه لا يختص الأذن، وإذا لم يختص الأذن رجع إلى معنى العلم.

وأقوال الأشعرية مثبتة على أصول المعتزلة لأن أبا الحسن كان معتزلياً (٢).

واستدلت المعتزلة على نفي الرؤية لله سبحانه بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} (٣)، فنفى أن تدركه الأبصار وهو عام (٤).

والجواب: أنه إنما نفى الإدراك، والإدراك الإحاطة بدليل قوله تعالى: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} (٥). أي أنا لمحاط بنا، وكذلك قوله تعالى: {لا تَخَافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى} (٦)، ومعلوم أنه لم يخف الرؤية وإنما خاف الإحاطة، ويحتمل أنه أراد نفي الرؤية في الدنيا لأن الرؤية، إليه (٧) أفضل اللذات، فلا تكون إلا في أفضل الدارين بدليل ما ذكرنا من الآيات والأخبار لأن الخاص يقدم على العام (٨).


(١) كل من نفى الجهة وأثبت الرؤية لا بد أن يحاول تحريف المراد بالرؤية، وهم أكثر الأشاعرة لأن الرؤية بالبصر تحتاج إلى مقابلة وجهة، لهذا زعموا كما مر ص ٦٣٧ أن الرؤية نوع إدراك وكشف ورزيادة استيضاح لذات الله عزوجل، ويوضح الآمدي في غاية المرام ص ١٦٨ هذا المعنى مؤكداً على نفي المقابلة والجهة بقوله: "ليس الإدراك إلا نوعاً من العلوم يخلقه الله تعالى في البصر وذلك لا يوجب في تعليقه بالمدْرَك مقابلة ولا جهة أصلاً" انتهى.
ما عهد العقلاء أن العلم يضاف إلى البصر إلا في هذا التحريف العجيب.
(٢) تقدم بيان هذا في الترجمة للأشعرية أول الكتاب ص ٩٤.
(٣) الأنعام آية (١٠٣).
(٤) انظر: شرح الأصول الخمسة ص ٢٣٣.
(٥) الشعراء آية (٦١).
(٦) طه آية (٧٧).
(٧) هكذا في النسختين ولعل الصواب (النظر إليه أو رؤيته) لأن الفعل (رأى) يتعدى بنفسه.
(٨) للعلماء في الرد على استدلال المغتزلة بالآية ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: أن الإدراك معنى زائد على الرؤية فالله عزوجل يرى كما ثبت بالآيات والأحاديث الصريحة في ذلك بالآخرة، ولا يدرك بمعنى لا يحاط به كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً جل وعلا، وهو قول مأثور عن ابن عباس - رضي الله عنه - وقتادة وبه قال كثير من العلماء. انظر: تفسير ابن جرير ٧/ ٢٩٩، أضواء البيان ١٠/ ١٢١، حادي الأرواح ص ٢٠٢، شرح العقيدة الطحاوية ص ٢٠٨.
المسلك الثاني: أنه عام مخصوص برؤية المؤمنين لله في الآخرة. انظر: دفع إيهام الاضطراب، ملحق باضواء البيان ١٠/ ١٢١.
المسلك الثالث: أن المنفي بالآية الرؤية في الدنيا، أما الرؤية المثبتة فهي رؤية الآخرة فعليه لا تعارض بين الآية والآيات الدالة على ثبوت الرؤية في الآخرة.
وهذا مراد أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في استدلالها بالآية على نفي رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه، كما روى ذلك عنه البخاري ومسلم أنها قالت: "من حدث أن محمداً رأى ربه فقد كذب ثم قرأت: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ} " الآية أخرجه خ. كتاب التفسير، تفسير سورة النجم ٦/ ١١٧، وبه قال أيضاً الحسن وإسماعيل بن علية، وبه قال عثمان بن سعيد الدارمي. انظر: الدر المنثور ٣/ ٣٣٥، ورد الدارمي على بشر المريسي ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>