للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واليسرى هاهنا: الأعمال التي يستحقون بها الجنة، والعسرى: الأعمال التي يستوجبون بها النار في الآخرة. يدل على صحة ذلك ما روي في الصحاح عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: "كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد ونحن حوله وبيده مخصرة ينكت بها الأرض، وهو منكس رأسه ثم رفع رأسه وقال: "ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار فقال رجل من القوم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة، فسيصير إلى السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل (١) السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ … } الآية" (٢)، وهذا تفسير من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على صحة قولنا.

ويقال: إن قوله: {أَعْطَى وَاتَّقَى} نزلت في أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -. قال ابن عباس: نزلت في أبي بكر خاصة وهي بعد في الناس عامة، وذلك أنه اشترى سبعة من المسلمين كانوا في أيدي المشركين لله (٣)، فأنزل


(١) في الأصل (أهل) غير موجودة وهي في - ح-.
(٢) أخرجه خ. كتاب الجنائز (ب. موعظة المحدث عند القبر) ٢/ ٨٣، م. القدر (ب. كيفية الخلق الآدمي) ٤/ ٢٠٣٩.
(٣) لم أقف على هذه الرواية عن ابن عباس، وإنما وردت روايات أخرى عنه وعن غيره فيها التصريح بأن هذه الآيات نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه -، فقد روى ابن جرير في تفسيره ٣٠/ ٢٢١ بسنده عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: "كان أبو بكر الصديق يعتق على الإسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه: أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك، فقال: يا أبت إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله. قال: فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية نزلت فيه {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى .. } الآية، وأخرجه الحاكم في المستدرك نحوه ٢/ ٥٢٥، وأخرجه مختصرا البزار. انظر: كشف الأستار ٣/ ٨١.
وذكر السيوطي في الدر المنثور ٨/ ٥٣٧ أن أبا حاتم أخرج عن عروة أنه قال: "إن أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب في الله، بلال وعامر بن فهيرة والنهدية وابنتها وزنينة وأم عيسى وأمة بني المؤمل وفيه نزلت {وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى} " إلى آخر السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>