للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة" (١). فلو كان الاسم هو المسمى لكان لنا تسعة وتسعين رباً.

وأما الدليل على من قال إن الاسم غير المسمى أن يقال: لو كان كذلك لكان الله سبحانه غير مسمى في الأزل واحد فرد موجود لأن حقيقة الغير ما جاز مفارقته صاحبه (٢) وإذا ثبت هذا فأسماء الله تعالى على ثلاثة أضرب:

منها ما يرجع إلى ذاته كقولنا (الله موجود وشيء قديم).

ومنها ما يرجع إلى صفات ذاته كعالم وقدير وحي وسميع وبصير، ومريد، ومتكلم.

ومنها ما يرجع إلى صفات فعله كخالق، ورازق، وقابض، وباسط، وهذه الصفات لله سبحانه يستحقها في الأزل، وهو موصوف في الأزل بأنه سيخلق، ويرزق ويقبض ويبسط قبل أن يخلق ويرزق (٣).


(١) أخرجه خ. كتاب الدعوات (ب. لله مائة اسم غير واحد) ٨/ ٧٤، م. كتاب الذكر والدعاء (ب. في أسماء الله .. ) ٤/ ٢٠٦٢ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) قال شارح الطحاوية في بيان مسألة الاسم والمسمى: "وكذلك قولهم الاسم عين المسمى أو غيره، وطالما غلط كثير من الناس في ذلك وجهلوا الصواب فيه، فالاسم يراد به المسمى تارة، ويراد به اللفظ الدال عليه عليه أخرى، فإذا قلت: قال الله كذا، أو سمع الله لمن حمده، ونحو ذلك، فهذا المراد به المسمى نفسه، وإذا قلت: الله اسم عربي والرحمن اسم عربي والرحيم من أسماء الله تعالى ونحو ذلك، فالاسم هاهنا هو المراد لا المسمى، ولا يقال غيره لما في لفظ الغير من الإجمال، فإن أريد بالمغايرة أن اللفظ غير المعنى فحق وإن أريد أن الله سبحانه كان ولا اسم له حتى خلق لنفسه أسماء، أو حتى سماه خلقه بأسماء من صنعهم، فهذا من أعظم الضلال والإلحاد في أسماء الله تعالى" شرح الطحاوية ص ١٣١.
فبين هنا شارح الطحاوية - رحمه الله - فصل القول في الاسم هل هو المسمى أو غيره على ضوء مراد المتكلم، أما واقع الحال فإن الاسم هو للمسمى، لأن المراد به الدلالة على هذا المسمى أو هذه الذات، فيكون للمسمى نصيب من معنى اسمه وقد يكون بعكسه، أما بالنسبة لله عزوجل الذي دار الخلاف حول علاقة أسمائه به جل وعلا فكل اسم له جل وعلا فيه المطابقة التامة لمدلوله في أكمل وأتم صورها.
(٣) قول المصنف: "وهو موصوف في الأزل بأنه سيخلق ويرزق ويقبض ويبسط قبل أن يخلق ويرزق" معناه أن الله فعل بعد أن لم يكن يفعل، وهذا يعود إلى مسألة تسلسل الحوادث وفيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: منع تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل وهو قول الجهم بن صفوان وأبي الهذيل العلاف.
القول الثاني: منع تسلسل الحوادث في الماضي والقول بدوامها في المستقبل، وهو قول أكثر أهل الكلام ومن وافقهم من الفقهاء وبهذا القول أخذ المصنف هنا - رحمه الله -.
القول الثالث: تسلسل الحوادث في الماضي والمستقبل، وبه قال أئمة أهل الحديث، وهو الحق الذي دلت عليه النصوص الشرعية، ومن ذلك قوله عزوجل: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فوصفه جل وعلا بهذا يدل على أنه موصوف بالفعل في الأزل، لأن الله عزوجل ذكر ذلك في معرض المدح والثناء، وبين جل وعلا أن الفعل متعلق بإرادته سبحانه، والله موصوف بالإرادة في الأزل، وقال عزوجل: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ} فبين هنا الفرق بين من يخلق ومن لا يخلق. ومن قال بعدم تسلسل الحوادث في الماضي فقد زعم أن الله عزوجل كان في وقت من الأوقات معطلاً عن الخلق والفعل وهذا طعن في الله عزوجل، ومن أوضح الأدلة على تسلسل الحوادث في الماضي: أن هذا وصف كمال لأنه بالاتفاق أن من هو موصوف بالفعل على الدوام في الماضي والمستقبل أكمل ممن وصف بأنه معطل ثم فعل بعد أن لم يفعل، والله عزوجل أحق بصفات الكمال. كما أن الذين نفوا عن الله عزوجل تسلسل الحوادث في الماضي أرادوا بذلك نفي قدم العالم أو أنه يوجد قديم مع الله، وهذا غير صحيح وليس بلازم، لأن اتصاف الله جل وعلا بأنه الخالق وما سواه مخلوق يمنع هذا إذ لا بد أن يتقدم الخالق على المخلوق، لأن الخالق هو السبب في وجود المخلوق فلا يتقدم المسَبَّب على السبب". انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام ١٨ - ٢١٠، ٢٤٣ ن شرح العقيدة الطحاوية ص ١٣٢ - ١٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>