للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٦ - فصل

ويدل على صحة قولنا قول الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} (١)، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- "لا يزال هذا الدين ظاهراً" (٢)، وخبر الشارع لا يقع بخلاف مخبره. ولا شك أن دين الإسلام هو الظاهر على سائر الأديان، قيل في التفسير: إنه أراد ظهوره على سائر الأديان بالدلائل والحجج الباهرة والغلبة والقهر في جميع الأقطار فما من أهل دين إلا وقد أثر فيهم الإسلام بالنكاية والإذلال، وقيل: أراد ليظهره على الدين كله في أرض الحجاز لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعث فيها (٣)، وإذا تقرر هذا في الإسلام فلينظر الآن في الظاهر من مذاهب فرق الأمة، ولا شك عند من أنصف في النظر أن الظاهر منها في الأقطار والأمصار هو مذهب أصحاب الحديث وأهل السنة دون مذهب القدرية وغيرهم من أهل الأهواء، فيعلم أنه دين الحق الذي وعد الله بظهوره.

فإن قيل فبأي شيء استدللتم على ظهوره؟ قلنا: ظهوره بأمور: إن نظرت إلى الكثرة بالعدد وجدت أهل الدهماء في الآفاق من بلاد الإسلام جمع


(١) التوبة آية (٣٣).
(٢) أخرجه م. كتاب الإمارة (ب. الناس تبع لقريش) ٣/ ١٤٥٣، د. كتاب المهدى الباب الأول ٢/ ٢٠٧، حم ٥/ ٨٧ - ٨٨ - ٨٩. كلهم من حديث جابر بن سمرة - رضي الله عنه -، واللفظ للإمام أحمد وجاء فيه "لا يزال هذه الدين ظاهراً على من ناوأه لا يضره مخالف ولا مفارق حتى يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً كلهم من قريش".
(٣) ذكر القول الأول ابن جرير الطبري والقرطبي ونسبه في الدر المنثور إلى ابن عباس رضي الله عنه.
أخرجه عنه ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه.
وقال جابر بن عبد الله وأبو هريرة - رضي الله عنهما -: "إن ذلك حين خروج عيسى عليه السلام"، وأما القول الثاني فذكره القرطبي ولم ينسبه إلى أحد.
وفي الآية تفسير ثالث وهو أن المراد به إظهار الرسول - صلى الله عليه وسلم- على الدين كله حتى لا يخفى عليه منه شيء، وكان المشركون واليهود يكرهون ذلك، قال بذلك ابن عباس - رضي الله عنه -، كما أخرجه عنه ابن جرير وابن مردويه والبيهقي. انظر: تفسير ابن جرير ١٠/ ١١٦، تفسير القرطبي ٨/ ١٢١، الدر المنثور ٤/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>