للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٧ - فصل

ومن الأدلة المذكورة في الرسالة لنا أن يقال لهم: أمر الله إبليس بالسجود لأدم وأمر الكفار بالإيمان، أكان يعلم أنه يكون (١) منهم ما أمرهم به، أم كان عالماً بأنه لا يكون منهم ذلك مع إرادته لذلك منهم، فإن قالوا: كان غير عالم بأنه لا يكون منهم ذلك نسبوه إلى الجهل، وقد قال بذلك فرقة من القدرية (٢) وقد أكذبهم الله بقوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر .. } (٣) الآية، وقوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} (٤)، وإن قالوا: بل كان عالماً بأنهم لا يفعلون ما أمروا به، قلنا لهم: فإرادته لوقوع ما يعلم أنه لا يكون تقع موقع تمني الحمقى كمن (٥) يقول: ليت الله يجعلني نبياً وما أشبه ذلك.

فأجاب القدري عن ذلك وقال: هذا يدل على فقد المستدل للتمييز بين الإرادة والتمني، فإن الإرادة من المعاني التي تخص بالقلوب في حق العباد، وليست من جنس الكلام، والتمني جنس من الكلام وهو قول القائل: ليت لي كذا وكذا، فكيف تكون إرادة ما لا يكون تمنياً، وعلمنا بأنه أمرهم بذلك إرادة منه لوقوع ما أمرهم به على ما مضى.

والجواب: أن يقال لهذا المخالف: هذه مغالطة لا يخفى فسادها على من له أدنى بصيرة، نحن قلنا: لو كان هذا (٦) لوقع موقع التمني من الحمقى والتمني مستحيل وقوعه من الله سبحانه.

وأما قول المخالف: التمني بالقول وهو قول القائل: ليت لي كذا وكذا،


(١) في - ح- (يعلم الله ما يكون).
(٢) تقدم بيان القائلين بذلك وقول الأئمة فيهم. انظر: ص ٣٤٠ والتعليق عليه.
(٣) الأنعام آية (٥٩) وفي النسختين سقطت الواو من قوله (ويعلم).
(٤) الأنعام آية (٢٨).
(٥) في - ح- (بل كمن).
(٦) في الأصل (ونحن لو قلنا هذا) وما أثبت من - ح- وهو الموافق للرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>