للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن يقول: إن للعباد صانعاً ولحركاتهم في الأفعال صانعاً غيره وهم القدرية فقد جعلوا لله شريكاً في الخلق وقد كذب الله من ادعى له شريكاً في الخلق.

ومما موه به هذا القدري على العامة والضعفاء بالاستدلال على أن القدرية هم أهل السنة بقوله: لأنهم يقولون لكل ما وقع منهم من الفساد والمعاصي هو بقضاء من الله وقدر لهجوا بذلك ومن لهج بشيء ينسب إليه.

وقال: نحن ننفي عن الله القضاء بالباطل ولا يقضي إلا بالحق، وقد قال الله تعالى بكتابه: {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} (١) ولا شك أن المعاصي باطل، قال فإذا ثبت أنهم يثبتون لله ما ينفيه وتلهج ألسنتهم به كانوا أولى بهذا الاسم لأن المثبت للشيء هو أولى بأن يشتق له اسم منه دون من نفاه. ألا ترى أن الثنوي اسم لمن أثبت لله ثانيا، والمشبه اسم لمن أثبت التشبيه لله لا لمن نفاه، وكذلك ينسب الشيء إلى من لهج به فيسمى التمري (٢) من يلهج به، هذا نكتة قوله.

والجواب عن هذا من وجوه:

أحدهما: أن تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم- في القدرية أولى من تفسير غيره، وقد قال - صلى الله عليه وسلم-: "القدرية هم الذين يقولون: الخير من الله والشر من إبليس ومن أنفسهم" (٣).

وهذا كاف في جميع ما أورده المخالف من التمويهات في كتابه، ولكني مع هذا لا آلو جهداً في إبطال ما أورده من طريق المعاني التي أوردها، فأقول في الجواب الثاني عن قوله: إن أهل السنة أولى باسم القدرية لأنهم


(١) غافر آية (٢٠).
(٢) قال في الدامغ الباطل ورقة ٧/أ: "ولهذا يقال فلان تمري وفلان لبني للذي يلهج به".
(٣) تقدم تخريجه ص ١٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>