للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف مخبره وهي كقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر} (١).

وقوله: إنهم لا يستحقون الذم إلا بأعمالهم إن سلمنا أن فيها ذماً فلا ننكر أنهم لايستحقون الذم ولا العقاب ولا الثواب إلا بأعمالهم، وأعمالهم خلق الله وكسب لهم لقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (٢)، وقوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (٣)، وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} (٤).

وقد مضى بيان الفرق بين الخلق والكسب ولكن لا يعقله إلا من جعل الله له نورا في قلبه (٥).

وأما قول المخالف: إن من الناس من قال معنى قوله: {ذَرَأْنَا} أي ميزنا لجهنم ومنه سميت الرياح الذاريات، لأنها تفصل بين كثير من الأشياء، فغير صحيح ولا قال أحد من أهل اللغة ولا من أهل التفسير أن (ذَرَأْنَا) معناه: ميزنا، واستدلاله على ذلك بالذاريات يدل على قلة علمه بالعربية، لأن الذاريات من قولهم ذرت تذروا بغير همز ذروا فهي ذارية، والذاريات جمع ذارية وهي المفرقة للتراب (٦)، وليس كذلك ذرا فإنه مهموز يقال ذرأ يذرأ ذرءاً (٧) فهو ذارئ، والمراد به خلقنا (٨) ومنه قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي


(١) الإسراء آية (٧٠) ووجه المشابهة بين الآيتين في كلام المصنف هو أن هذه الآية وقع مدلول خبرها وهو التكريم لبني آدم يرفعهم فوق سائر المخلوقات في الأرض وحملهم في البر والبحر، فكذلك الآية المذكورة {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ} الآية لابد من وقوع مدلول خبرها.
(٢) الصافات آية (٩٦).
(٣) التوبة آية (٩٥).
(٤) المائدة آية (٣٨).
(٥) انظر: ما تقدم من بيان الفرق بين الخلق والكسب ص ٢٢٥.
(٦) انظر: لسان العرب ٣/ ١٤٩٩.
(٧) في الأصل (يذري) وما أثبت من - ح- وهو الصواب. وانظره في: لسان العرب ٣/ ١٤٩١.
(٨) انظر: لسان العرب ٣/ ١٤٩١، والمعنى المذكور هنا هو ما ذكره المفسرون ولم يذكروا غيره، وقد رواه ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي. انظر: تفسير ابن جرير ٩/ ١٣١، تفسير القرطبي ٧/ ٣٢٤، تفسير ابن كثير ٢/ ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>