للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ} (١) أي خلقكم في الأرض {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي بعد الموت ومثلها قوله تعالى: {جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَأُكُمْ فِيه} (٢) أي يخلقكم في أرحام الأزواج (٣)، وقيل يكثركم بالتزويج (٤)، وفي الحديث عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: "إني أظنكم آل المغيرة ذرأ النار" (٥) أي خلقها، فهذا يبطل تأويله الأول.

وأما الدليل على إبطال تأويله الثاني وأنه أراد خلقناهم بعد الموت فمن وجوه:

أحدها: أنه أخبر قبل هذا (٦) بقوله: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}، ثم قال: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرا} الآية. فأخبر سبحانه أن من يهديه فهو المهتدي، والمراد به من يوفقه ويسدده للإيمان به وطاعته فهو المهتدي لذلكن ولا يجوز حمله على الثواب، لأن الثواب لا يسمى هدى على ما مضى (٧) ولو جاز أن يسمى الثواب هدى لم يقل هاهنا {فَهُوَ الْمُهْتَدِي}، وإنما كان يقول فهو المُهدي (٨)، فلما قال المهتدي نسب


(١) المؤمنون آية (٧٩).
(٢) الشورى آية (١١).
(٣) ذكر هذا القول ابن جرير عن مجاهد والسدي. انظر: تفسير ابن جرير ٢٥/ ١١.
(٤) ذكر هذا القول القرطبي عن الزجاج. انظر: تفسير القرطبي ١٦/ ٨.
(٥) أخرج هذا لأثر أبو عبيد في غريب الحديث ٣/ ٣٢٨، وهذا القول من عمر - رضي الله عنه - موجه لحالد بن الوليد - رضي الله عنه - ونصه: أن عمر كتب إلى خالد بن الوليد: (إنه بلغني أنك دخلت حماما بالشام وأن من بها من الأعاجم أعدوا لك دلوكا عجن بخمر وإني أظنكم آل المغيرة ذرأ النار).
(٦) (هذا) ليست في الأصل وهي في - ح-.
(٧) انظر: كلام المصنف في معنى الهدى ص ٢٨٥.
(٨) المهدي بضم الميم وسكون الهاء وفتح الدال بمعنى المعطي الهدى.

<<  <  ج: ص:  >  >>