للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب الثاني: أن وجه الصلاح في خلق الله للمكلفين ظاهر وهو أنه مكنهم من الخيرات التي يتوصلون بها إلى الثواب، وأراد منهم ذلك وأمرهم به، وساقهم بالأمر والنهي والوعد والوعيد إلى ما فيه صلاحهم فكان معرضاً لهم لأجل المراتب (١) وإنما هلك منهم من هلك بسوء اختياره وإيثاره للمعصية.

والجواب: أن يقال للمخالف: الله موصوف بالحكمة والعدل بذاته قبل أن يخلق الأشياء التي علم بها العباد حكمته، لأن ذلك من صفات الكمال، فهذا الذي ادعيته غير مسلم.

وأما قوله إنه لم يخلقهم إلا للمصلحة وإن لم تعلم المصلحة واستدلاله بالأب الطبيب، فهذا موضع النزاع. ولا ننكر أن الله سبحانه أرحم بالعبد من الوالد لولده، وأن له عليه نعماً (٢) لا يحصيها ولا يقوم (٣) بشكرها، ومن نعمه الرحمة التي خلقها في قلوب الوالدين للولد، ولكن الإنعام منه بذلك وغيره تفضل وإنعام لا يجب عليه، وله ترك الإنعام والتفضل، ولهذا يؤلم الأطفال في المهد ويقطع أعضاءهم بأصناف العلل من الجذام وغيره، ولا يعد ذلك قبيحاً ولا ظلماً من أفعاله، بخلاف الأب فإنه لا يملك الولد ولا يفعل بعبده الذي يملك (٤) رقبته إلا ما أذن له فيه مملكه، فبطل الجمع بين حكم الله في التصرف بعباده وبين حكم الوالد الطبيب.

وأما قول المخالف في جوابه الثاني: إن المصلحة في خلق المكلفين تمكينهم من الخيرات وإرادة الله منهم ذلك، فهذا موضع الخلاف ولا حجة له عليه غير مجرد الدعوى.


(١) تقدم بيان فساد هذا التعليل من المعتزلة. انظر: ص ٤٦٠.
(٢) في الأصل (نعم) وما أثبت من - ح-.
(٣) في - ح- (ولا يقوم له).
(٤) في - ح- (الذي لا يملك).

<<  <  ج: ص:  >  >>