للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منزلين (١) ولو جاز لهم ذلك لجاز لغيرهم أن يدعي أن القرآن جسم كالحديد والماء لاجتماع الجميع بالوصف بالإنزال (٢).

استدلت القدرية والمعتزلة بقوله: لما كان القرآن حروفاً متغايرة يدخلها التعاقب والترتيب والتأليف، وذلك لا يوجد في الشاهد إلا بحركة وسكون من المتكلم ومن له آلة الكلام ومن كان بهذه الصفات لا يجوز أن يكون صفة لله فثبت أنه مخلوق (٣).


(١) يعني أن الحديد والماء لم يكونا مخلوقين بسبب أنهما منزلان، فهذا الوصف ليس هو الدليل على الخلق.
(٢) ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك شارح الطحاوية وجهاً آخر وهو أن النزول ورد في القرآن على ثلاثة أنحاء:
أولاً: نزول مقيد بأنه منه وهو القرآن الكريم في مثل قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ} {حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقّ}. ونحوها من الآيات.
ثانياً: نزول مقيد بأنه من السماء مثل قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}.
ثالثاً: إنزال مطلق كإنزال الحديد والأنعام والسكينة على قلوب المؤمنين وغيرذلك. فهذا يدل على الفرق بينهما، وبين شيخ الإسلام أن جميع ما ورد من لفظ النزول والإنزال في القرآن والسنة إلا وفيه معنى النزول المعروف في لغة العرب، أي الهبوط من أعلى إلى أسفل ولا يكون معناه الخلق". انظر: الفتاوى ١٢/ ٢٤٦ - ٢٥٧، شرح الطحاوية ص ١٩٥ - ١٩٦.
(٣) ذكر هذا الاستدلال القاضي عبد الجبار المعتزلي في شرح الأصول الخمسة ص ٥٣١، وهذا الكلام أهم ما عولوا عليه في نفي أن الله يتكلم، لأن الكلام لا يكون إلا بحرف وصوت، ويلزم فيه التعاقب وما إلى ذلك وقاعدتهم أن الله لا تحل به الحوادث، أي كل صفة يرون أنه يلزم منها وصفه بالحركة أو الفعل ينفونها على أنها حادثة، والله عندهم لا تحل به الحوادث، وبسببها أيضاً نفى الأشعرية الكلام وقالوا بالكلام النفسي، وهي قاعدة باطلة فاسدة لزم منها رد ما دل عليه القرآن من صفات الله عزوجل، وكذلك إنكار كثير من الأحاديث الدالة على صفات الله عزوجل ومن نظر في القرآن والسنة أدنى نظرة ورام معرفة صفات الله عزوجل أيقن يقيناً قاطعاً أن الله يفعل الفعل بعد الفعل فأكثر الصفات تدل على هذا، فمثلاً صفة البصر لها متعلق وهي المبصرات، والمبصرات متجددة وحادثة وهي المخلوقات، فالله يرى هذه الأشياء الحادثة وهذا هو ما يسميه المتكلمون (حلول الحوادث) فهذه القاعدة التي قعدوها من أفسد القواعد وأبطلها، فكم من صفة في القرآن لله عزوجل عطلوها، وكم من حديث صحيح ردوه مع أن هذه القاعدة لم ترد في القرآن ولا السنة ولا في كلام أحد من السلف، ومع ذلك تشبثوا بها وجعلوها أصلاً وغيرها فرعاً فلا حول ولا قوة إلا بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>