للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب أن نقول: إن القرآن صفة لله سبحانه، وقد سمى الله نفسه شيئاً بقوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} (١)، فلما لم تكن ذات الله سبحانه داخلة في جملة المخلوقات، لم يكن القرآن الذي هو صفة له داخلاً في المخلوقات (٢).

واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (٣)، وقال: {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} (٤)، وقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} (٥)، فلما سوى الله بين القرآن وبين الحديد والماء في الإنزال دل على أن حكم الجميع في الخلق واحد (٦).

والجواب أن يقال: لا يمتنع أن يتفق الشيئان في الاسم لمعنى ويختلفان في الصفة لمعنى، ألا ترى أن الله سبحانه يوصف بالوجود والإنسان وغيره من الأجسام يوصف بالوجود وإن اختلفا في الخلق والجسمية (٧) وغيرهما، ويوصف الله أنه حي عالم قدير بصير سمين ويوصف الإنسان بذلك وإن اختلفا في الخلق والجسمية، ولم يكن الحديد والماء مخلوقين لكونهما


(١) الأنعام آية (١٩).
(٢) ذكر الإمام أحمد، وكذلك شارح الطحاوية وجهاً آخر في الرد عيهم، فقال شارح الطحاوية: إن عموم كل في كل موضع بحسبه، ويعرف ذلك بالقرائن، ألا ترى قوله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاّ مَسَاكِنُهُمْ}. ومساكنهم شيء فلم تدخل في عموم كل شيء دمرته بل كل شيء قابل للتدمير، وكذا قال تعالى عن بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} المراد من كل شيء يحتاج إليه الملوك وهذا القيد يفهم من القرائن. والمراد من قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} أي كل شيء مخلوق، وكل موجود سوى الله فهو مخلوق، فلم يدخل في العموم الخالق تعالى وصفاته. انتهى مختصراً ص ١٨٥.
(٣) القدر آية (١).
(٤) الحديد آية (٢٥).
(٥) الفرقان آية (٤٨).
(٦) ذكر نحو هذا الاستدلال القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة ص ٥٣٢، وانظر: شرح الطحاوية ص ١٩٥.
(٧) تقدم التعليق على مثل هذه الألفاظ في الفصل الأول من هذا الكتاب ص ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>