للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يقال له: شبهت الله بصفات خلقه بكونهما غير مخلوقين لله (١) وقد قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

والثالث: أن يقال له ولأهل مذهبه: إذا كانت أفعال العباد مساوية لله ولصفاته في عدم الخلق فسموها آلهة وأرباباً كما ألزمتمونا هذا الإلزام في قولنا إن لله صفات قديمة هي علمه وحياته وقدرته وإرادته وكلامه وسمعه وبصره (٢).

والرابع: أنا علمنا انتفاء الخلق عن الله وعن صفاته بمقتضى العقل الذي لا يجوز ورود الشرع بخلافه، لأنه لو أخبرنا نبي الله خلق ذاته أو خلق صفاته لاستحال في العقل صدقه (٣) لأن المخلوق معدوم الوجود قبل الخلق والخالق له موجود حال الخلق فكيف يوصف الشيء الواحد بأنه معدوم موجود بحاله واحدة؟

وهذا المعنى لا يتصور في أفعال العباد، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- لو أخبرنا أو أخبرنا الله بنص القرآن الذي لا يحتمل التأويل بأن الله خلق أفعال العباد في الخير والشر لوجب قبوله، لأن ذلك غير مستحيل ولا مؤد إلى المحال فبطل الجمع بينهما (٤).


(١) يعني بذلك قول المخالف: "نخرج أفعال العباد من جملة الأشياء المخلوقة بالعقل كما خصصنا جميعاً ذات الله سبحانه - وإن كانت شيئاً - من جملة الأشياء المخلوقة" حيث جعل أفعال العباد ليست مخلوقة لله كما أن ذات الله ليست مخلوقة له جل وعلا وهذا فيه تشبيه.
(٢) المعتزلة يزعمون أن الله لا يوصف بالصفات الذاتية لمعان قديمة، لأن ذلك يلزم فيه مماثلة الله جل وعلا في القدم، لهذا انكروا أن يكون الله موصوفاً بهذه الصفات، وقالوا: إنه عالم بعلم هو هو وقادر بقدرة هي هو. انظر: شرح الأصول الخمسة ص ١٩٥.
(٣) قول المصنف - رحمه الله – "لأنه لو أخبرنا نبي .... " لا يمكن في الحقيقة أن يخبرنا نبي بأمر يحيله العقل والشرع لأن إخباره بمثل ذلك يطعن في نبوته.
(٤) يعني بذلك ان ادعاء أن الله خلق صفاته محال، وقول إن الله خلق أفعال العباد غير محال ولا يؤدي إلى المحال فالجمع بينهما في حكم واحد باطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>