للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن خاف الفضيحة من السامعين وقال: ليس هذا القول خلق لي، ولا بقول لي، بل هو قول الله حقيقة، فقد رجع عن مذهبه الفاسد إلى ما عليه أهل التوحيد في ذلك، وقلنا لا حجة لك في أن الله سبحانه لم يخلق أفعال العباد وإنما العباد يخلقون أفعالهم بقوله (١) تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا … } الآية، إنما أخبر الله في هذه الآية أنه لم يغير نعمة أنعمها على قوم بالعذاب وإزالة تلك النعمة حتى كفروا به وأشركوا (٢)، فنسبه إليهم لكونهم محلاً لخلق الله له وكونه كسباً لهم، وقد قال الله سبحانه في الأرض: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} (٣).

فوصفها بالاهتزاز والربو والإنبات لكونه محلاً لخلق ذلك فيها، وإن كانت لا يوجد منها خلقاً ولا كسباً، وعلى أنه إن كان التغيير المذكور عنه في الآية هو خلقهم للكفر ابتداءاً بأنفسهم فقد أخبر سبحانه أنه غير (٤) ذلك بأنفسهم بعد تغيرهم فيكون كقوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (٥)، فأخبر أنه سبحانه خلق التغيير في الكفر والزيغ بحال من الأحوال (٦)، وعند المخالف أنه لا يخلق بحال من الأحوال ونقول: لو شاء الله ما أشركوا كما أخبر سبحانه (٧) وقد أخبر سبحانه بآخر الآية فقال: {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا


(١) في الأصل (لقوله) وما أثبت كما هو في - ح - وهو الأصوب.
(٢) ذكر هذا المعنى القرطبي - رحمه الله - وقال: نعمة الله على قريش الخِصْبُ والسعة والأمن والعافية، قال الله عزوجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} تفسير القرطبي ٨/ ٢٩.
(٣) الحج آية (٥).
(٤) في - ح - (انهم غيروا).
(٥) الصف آية (٥).
(٦) يقصد المصنف هنا أن الله خلق فيهم الكفر والزيغ بأمر من الأمور التي استحقوا بها ذلك.
(٧) في قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} الأنعام آية (١٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>