للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمى نفسه شيئاً فقال: {قُلْ (١) أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} (٢)، ولأن معنى شيء معنى موجود فكل شيء موجود وكل موجود شيء والموجود ضد المعدوم، فلما كان الباري غير معدوم سمي موجوداً أو شيئاً. فلما ظهرت (٣) شناعة قول جهم بذلك وخالف قوله بذلك قول العلماء قبله وخافت المعتزلة والقدرية السيوف إن أظهروا القول بقوله قالوا: إن الله قادر حي عالم مريد سميع بصير، ولكن ليس له قدرة ولا حياة ولا علم، ولا إرادة، ولا سمع، ولا بصر، بل هو موصوف بهذه الصفات لذاته (٤)، إلى أن قال أبو الهذيل العلاف من رؤسائهم (٥): إن علم الله هو الله (٦)، فقيل له فيلزم على قولك أن يقول الإنسان في الدعاء "يا علم اغفر لي وارحمني" فأبى ذلك لما علم تناقض قوله فيه.

وقولهم يرجع بالتحقيق إلى قول جهم (٧) لأن حقيقة الموصوف أن يكون


(١) (قل) ليست في - ح -.
(٢) الأنعام آية (١٩).
(٣) في - ح - (ظهر).
(٤) انظر: كلام القاضي عبد الجبار المعتزلي في ذلك شرح الأصول الخمسة ص ١٦٧، ١٨٣، ٢٠٠، ٢٠١، ٢٢٧، ٢٢٨، ٥٢٨.
(٥) هو محمد بن الهذيل العلاف. عده صاحب فرق وطبقات المعتزلة رأس الطبقة السادسة من المعتزلة المقدمين لمعرفته في الجدل ودقائق الكلام، توفي سنة (٢٢٧ هـ)، وذكر له الاسفرائيني أقوالاً فاسدة كثيرة منها: قوله: "إن أهل الجنة يفني نعيمهم وكذلك أهل النار يفني عذابهم"، وقوله بطاعات كثيرة لا يراد بها الله عزوجل وأن علم الله وهو هو. انظر: طبقات وفرق المعتزلة ص ٥٤، الفرق بين الفرق ص ١٢١.
(٦) انظر: مقالات الإسلاميين ١/ ٢٥٤، وانظر: شرح الأصول الخمسة ص ١٨٣. وجعل القاضي عبد الجبار قول أبي الهذيل كقول الجبائي منهم: "إن الله عالم لذاته" إلا أن أبا الهذيل لم تتلخص له العبارة، وقال: ألا ترى أن من يقول: إن الله تعالى عالم بعلم، لا يقول: إن ذلك العلم هو ذاته تعالى، انتهى.
(٧) كان السلف - رحمهم الله - يسمون كل من أنكر الصفات جهمياً؛ لأنه هذا القول إنما اشتهر عن جهم وأخذه عنه المعتزلة قال الإمام أحمد في الرد على الجهمية في كلامه عن جهم في رد جهم على السمنية قال - أي جهم-: "فكذلك الله لا يرى له وجه ولايسمع له صوت ولايشم له رائحة وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان ووجد ثلاث آيات من المتشابه قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الشورى آية (١١). {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} الأنعام: آية (٣). {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} الأنعام آية (١٠٣) فبنى أصل كلامه على هذه الآيات وتأول القرآن على غير تأويله، وكذب بأحاديث رسول الله وزعم أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسول الله كان كافراً وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشراً كثيراً وتبعه على قوله: رجال من أصحاب أبي حنيفة وأصحاب عمرو بن عبيد بالبصرة ووضع دين الجهمية. الرد على الجهمية ص ٦٦ ضمن عقائد السلف. فهذا ظاهر منه انتساب المعتزلة إلى الجهمية، لأن عمرو بن عبيد من شيوخ المعتزلة المتقدمين في زمن الحسن البصري وهو يقولون بقول جهم في نفي الصفات وخلق القرآن، ولهذا كان السلف إذا صنفوا في إثبات الصفات يبينون أن ذلك رد على الجهمية وسمى كتبهم? الرد على الجهمية - ويقصد بذلك المعتزلة ومن هذه الكتب (خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل) للإمام البخاري. والرد على الجهمية لعثمان بن سعيد الدارمي، والرد على الجهمية لابن منده - وهي كتب مطبوعة ومتداولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>